للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إِنَّما رِوَايَتُه عن أَهْلِ الشامِ. وإذا ثَبَتَ هذا في الجُنُبِ فَفِى الحائِضِ أَوْلَى؛ لأنَّ حَدَثَها آكَدُ، ولذلك حَرَّمَ الوَطْءَ، ومَنَعَ الصِّيامَ، وأَسْقَطَ الصَّلَاةَ، وسَاوَاها في سائِرِ أحْكَامِها.

فصل: ويَحْرُمُ عليهم قراءةُ آيةٍ. فأمَّا بَعْضُ آيةٍ؛ فإنْ كان مِمَّا لا يَتَمَيَّزُ به القرآن عن غَيْرهِ كالتَّسْمِيةِ، والحَمْدِ للَّه، وسائرِ الذِّكْرِ، فإنْ لَمْ يُقْصَدْ به القُرآنُ، فلا بَأْسَ؛ فإنَّه لا خِلَافَ في أنَّ لهم ذِكْرَ اللهِ تعالى، ويحتاجون إلى التَّسْمِيةِ عندَ اغْتِسَالهِمِ، ولا يُمْكِنُهم التَّحَرُّزُ مِن هذا. وإنْ قَصَدُوا به القِراءةَ أو كان ما قَرَءُوهُ شيئًا يتَمَيَّزُ به القرآنُ عن غيرِه من الكلامِ، فَفِيه رِوَايتان: إحْدَاهُما، لا يَجُوزُ، ورُوِىَ عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنه سُئِلَ عن الجُنُبِ يَقْرَأُ القُرآنَ؟ فقال: لا، ولا حَرْفًا. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىّ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ في النَّهْىِ، ولأنَّه قُرآنٌ، فَمُنِعَ مِن قَراءَتِه، كالآيةِ. والثانية لا يُمْنَعُ منه، وهو قولُ أبي حَنِيفة؛ لأنَّه لا يَحْصُل به الإِعْجازُ، ولا يُجْزِىءُ في الخُطْبةِ، ويَجُوزُ إذا لم يُقْصَدْ به القُرآنُ، وكذلك إذا قُصِدَ.

فصل: وليس لهم اللُّبْثُ في المَسْجِد، لقولِ اللهِ تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (٨). ورَوَتْ عائشةُ، قالت: جاء النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبُيُوتُ أصحابهِ شارِعةٌ في المسجدِ، فقال: "وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ؛ فَإنِّى لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ ولَا جُنُبٍ". رَواه أبو داود (٩)، ويُبَاحُ العبورُ للحاجةِ؛ مِن أخذِ شيءٍ، أو تَرْكهِ، أو كونِ الطريقِ فيه، فأمَّا لغيرِ ذلك فلا يَجُوزُ بحالٍ.

ومِمَّن نُقِلَت عنه الرُّخْصةُ في العُبورِ: ابنُ مَسْعود، وابنُ عَبّاس، وابنُ المُسَيَّب، وابن جُبَيْر، والحسن، ومالك، والشَّافِعيُّ. وقال الثَّوْرِىُّ وإسحاقُ: لا يَمُرُّ في المَسْجدِ إلَّا أنْ لا يجدَ بُدًّا، فيَتَيَمَّمَ. وهو قَوْلُ أصحابِ الرَّأْىِ؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ


(٨) سورة النساء ٤٣.
(٩) في: باب في الجنب يدخل المسجد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>