للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عَلِمَ بِتَنْبِيهٍ أو إقْرَارٍ أنَّ رَأْسَ مالِه تسعونَ، فالبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه زِيَادَةٌ في الثمَنِ، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ العَقْدِ، كالعَيْبِ، ولِلْمُشْتَرِى الرُّجُوعُ على البائِعِ بما زَادَ في رَأْسِ المالِ، وهو عشرةٌ، وحَطَّهَا من الرِّبْحِ، وهو دِرْهَمٌ، فيَبْقَى على المُشْتَرِى بِتسعةٍ وتسعينَ دِرْهَمًا. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، وابنُ أبِى لَيْلَى. وهو أحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفةَ: هو مُخَيَّرٌ بين الأخْذِ بكلِّ الثَّمَنِ، أو يَتْرُكُ، قِيَاسًا على المَعِيبِ. ولَنا، أنَّه بَاعَهُ بِرَأْسِ مالِه (٣) وما قَدَّرَهُ من الرِّبْحِ، فإذا بَانَ رأسُ مَالِه قَدْرًا مَبِيعًا به وبالزِّيَادَةِ التى اتَّفَقَا عليها، والمعِيبُ كذلك عندَنا، فإنَّ له أَخْذَ الأَرْشِ، ثم المَعيِبُ لم يَرْضَ به، إلَّا بالثَّمَنِ المَذْكُورِ، وهاهُنا رَضِىَ فيه بِرَأْسِ المالِ والرِّبْحِ المُقَرَّرِ. وهل لِلْمُشْتَرِى خِيَارٌ؟ فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّ المُشْتَرِىَ مُخَيَّرٌ بين أخْذِ المَبيعِ بِرَأْسِ مالِه وحِصَّتِه من الرِّبْحِ، وبين تَرْكِه. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وحُكِىَ ذلك قَوْلًا للشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ لا يَأْمَنُ الجِنَايَةَ في هذا الثَّمَنِ أيضًا، ولأنَّه ربَّما كان له غَرَضٌ في الشِّرَاءِ بذلك الثَّمَنِ بِعَيْنِه؛ لِكَوْنِه حَالِفًا، أو وَكِيلًا، أو غيرَ ذلك. وظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه لا خِيَارَ له؛ لأنَّه لم يَذْكُرْه. وحُكِىَ ذلك قَوْلًا للشّافِعِيِّ؛ لأنَّه رَضِيَه بمائةٍ وعشرةٍ، فإذا حَصَلَ له بتسعةٍ وتسعينَ، فقد زَادَهُ خَيْرًا، فلم يكن له خِيَارٌ، كما لو اشْتَرَاهُ على أنَّه مَعِيبٌ، فبَانَ صَحِيحًا، أو أُمِّيٌّ، فبَانَ صَانِعًا أو كاتِبًا، أو وُكِّلَ في شِرَاءٍ مُعَيَّنٍ بمائةٍ، فاشْتَرَاهُ بتسعينَ. وأمَّا البائِعُ، فلا خِيَارَ له؛ لأنَّه بَاعَهُ بِرَأْسِ مالِه وحِصَّتِه من الرِّبْحِ، وقد حَصَلَ له ذلك.

فصل: وإذا أرَادَ الإخْبارَ بثَمَنِ السِّلْعَةِ، فإن كانَتْ بحَالِها، لم تَتَغَيَّرْ، أخْبَرَ بِثَمَنِها، وإن حَطَّ البائِعُ بعضَ الثَّمَنِ عن المُشْتَرِى، أو اسْتَزَادَهُ (٤) بعدَ لُزُومِ العَقْدِ، لم يُجْزِئْهُ، ويُخْبِرُ بالثمنِ الأَوَّلِ، لا غيرُ. ولأنَّ ذلك هِبَةٌ من أحدِهِما للآخَرِ، لا يَكونُ عِوَضًا. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْحَقُ بالعَقْدِ، ويُخْبِرُ به


(٣) في م: "المال".
(٤) في م: "اشتراه".

<<  <  ج: ص:  >  >>