للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى؛ لأنَّه غُسْلٌ لا يَجِبُ فيه التَّرْتِيبُ، فلا تَجِبُ المُوَالَاةُ، كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ. فلو اغْتَسَلَ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِه، لم يَجِب التَّرْتِيبُ فيها؛ لأَنَّ حُكْمَ الجَنَابَةِ باقٍ. وقال بنُ عَقِيلٍ، والآمِدِيُّ، فِيمَنْ غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِه إلَّا رِجْلَيْه، ثم أَحْدَثَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ في الأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لانْفِرَادِها بالحَدَثِ الأَصْغَرِ، ولا يَجِبُ التَّرْتِيبُ في الرِّجْلَيْنِ؛ لاجْتِمَاعِ الحَدَثَيْن فيهما.

فصل: فعلى هذا تكونُ وَاجِبَاتُ الغُسْلِ شَيْئَيْنِ لا غَيْرُ؛ النِّيَّةُ، وغَسْلُ جَمِيعِ البَدَنِ، فأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَحُكْمُها حُكْمُ التَّسْمِيَةِ في الوضوءِ على ما مَضَى، بل حُكْمُها في الجَنَابَةِ أَخَفُّ؛ لأَنَّ حَدِيثَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تَنَاوَلَ بصَريحِهِ الوضوءَ لا غيرُ.

فصل: إذا اجْتَمَعَ شيئان يُوجِبَانِ الغُسْلَ، كالحَيْضِ والجَنَابَةِ، أو الْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ والإِنْزَالِ، فنوَاهُما بطَهَارَتِه، أَجْزَأَهُ عنهما. قالهُ أكثرُ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم عَطَاء، وأبو الزِّناد، ورَبِيعةُ، ومَالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، وإسْحَاق، وأَصْحابُ الرَّأْيِ. ويُرْوَى عَن الحسنِ، والنَّخَعِيِّ، في الحَائِضِ الجُنُبِ، تَغْتَسِلُ غُسْلَيْنِ. ولنا، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يَغْتَسِلُ مِن الجماع إلَّا غُسْلًا واحدًا، وهو يَتَضَمَّنُ شيئين، إذْ هو لَازِمٌ للإِنْزَالِ في غالِبِ الأحوالِ، ولأنَّهما سَبَبان يُوجِبَان الغُسْلَ، فأَجْزَأَ الغُسْلُ الوَاحِدُ عنهما، كالحَدَثِ والنَّجَاسَةِ. وهكذا الحُكْمُ إن اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الطَّهَارَةَ الصُغْرَى؛ كالنَّوْمِ، وخُرُوجِ النَّجَاسَةِ، واللَّمْسِ، فنواها بطَهارَتِه أو نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ، أو اسْتِبَاحةَ الصَّلَاةِ، أجْزَأَهُ عن الجَمِيعِ. وإنْ نَوَى أحدَها، أو نَوَتِ المَرْأةُ الحَيْضَ دُونَ الجنابةِ، فهل تُجْزِئُه عن الآخَرِ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدهما تُجْزِئُه عن الآخَر؛ لأَنَّه غُسْلٌ صَحِيحٌ نَوَى به الفَرْضَ، فأجْزَأَه، كما لو نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ. والثاني تُجْزِئُه عَمَّا نَوَاهُ دون ما لم يَنْوِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّما لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى". وكذلك لو اغْتَسَلَ للجُمُعَةِ، هل تُجْزِئُه عَن الجَنابةِ؟ على وَجْهَيْن، مَضَى تَوْجِيهُهما فيما مَضَى.

فصل: إذا بَقِيَتْ لُمْعَةٌ مِنْ جَسَدِهِ لم يُصِبْها الماءُ، فَرُوِيَ عَنْ أحمدَ أنَّه سُئِلَ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>