ذلك. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا على الغُرَمَاءِ اليَمِينُ، فهو على جَمِيعِهم، فإن حَلَفُوا أَخَذُوا، وإن نَكَلُوا قُضِىَ لِلْمُدَّعِى بما ادَّعَاهُ، إلَّا أن نقولَ بِرَدِّ اليَمِينِ، فَتُرَدُّ على المُدَّعِى، فيَحْلِفُ ويَسْتَحِقُّ، وإن حَلَفَ بعضُهم دُونَ بعضٍ، أخَذَ الحالِفُ نَصِيبَه، وحُكْمُ النَّاكِلِ ما ذَكَرْنَاهُ.
فصل: وإن أقَرَّ المُفْلِسُ أنَّه أعْتَقَ عَبْدَه منذُ شَهْرٍ، وكان العَبْدُ قد اكْتَسَبَ بعدَ ذلك مَالًا، وأنْكَرَ الغُرَمَاءُ، فإن قُلْنا: لا يُقْبَلُ إقْرَارهُ. حَلَفُوا، واسْتَحَقُّوا العَبْدَ وكَسْبَه. وإن قُلْنا: يُقْبَلُ إقْرَارُه. لم يُقْبَلْ فى كَسْبِه، وكان لِلْغُرَمَاءِ أن يَحْلِفُوا أَنَّهم لا يَعْلَمُونَ أنَّه أعْتَقَهُ قبلَ الكَسْبِ، ويَأْخُذُونَ كَسْبَهُ، لأنَّ إقْرَارَه إنَّما قُبِلَ فى العِتْقِ دُونَ غيرِه لِصِحَّتِه منه، ولِبِنَائِه على التَّغْلِيبِ والسّرَايَةِ، فلا يُقْبَلُ فى المالِ، لِعَدَمِ ذلك فيه، ولأنَّنا نَزَّلْنَا إقْرَارَه مَنْزِلَةَ إعْتَاقِه فى الحالِ، فلا تَثْبُتُ له الحُرِّيَّةُ فيما مَضَى، فيكونُ كَسْبُه مَحْكُومًا به لِسَيِّدِه، كما لو أقَرَّ بِعِتقِه، ثم أقَرَّ له بِعَيْنٍ فى يَدِه.
فصل: فإن كان المَبِيعُ أَرْضًا فَبَنَاهَا المُشْتَرِى، أو غَرَسَها، ثم أفْلَسَ، فأرَادَ البَائِعُ الرُّجُوعَ فى الأَرْضِ، نَظَرْتَ؛ فإن اتَّفَقَ المُفْلِسُ والغُرَمَاءُ على قَلْعِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ، فلهم ذلك؛ لأنَّ الحَقَّ لهم، لا يَخْرُجُ عنهم، فإذا قَلَعُوهُ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فى أَرْضِه؛ لأنَّه وَجَدَ مَتَاعَه بِعَيْنِه. قال أصْحابُنا، ويَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ قبل القَلْعِ، وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَسْتَحِقَّه حتى يُوجَدَ القَلْعُ؛ لأنَّه قبلَ القَلْعِ لم يُدْرِكْ مَتَاعَهُ إلَّا مَشْغُولًا بمِلْكِ المُشْتَرِى، فأشْبَهَ ما لو كانت مَسَامِيرَ فى بَابِ المُشْتَرِى. فإن قُلْنا: له الرُّجُوعُ قبلَ القَلْعِ. فقَلَعُوهُ، لَزِمَهُم تَسْوِيَةُ الأرْضِ من الحَفْرِ، وأرْشِ نَقْصِ الأرْضِ الحَاصِلِ به؛ لأنَّ ذلك نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِ المُفْلِسِ، فكان عليه، كما لو دَخَلَ فَصِيلُه دَارَ إنْسَانٍ وكَبِرَ، فأرَادَ صَاحِبُه إخْرَاجَهُ، فلم يُمْكِنْ إلَّا بِهَدْمِ بَابِها، فإنَّ البَابَ يُهْدَمُ لِيَخْرُجَ، ويَضْمَنُ صَاحِبُه ما نَقَصَ، بِخِلَافِ ما إذا وَجَدَ البائِعُ عَيْنَ مَالِه نَاقِصَةً. فرَجَعَ فيها، فإنَّه لا يَرْجِعُ فى النَّقْصِ؛ لأنَّ النَّقْصَ كان فى مِلْكِ المُفْلِسِ، وهنا حَدَثَ بعدَ رُجُوعِه فى العَيْنِ، فلهذا ضَمِنُوه، ويَضْرِبُ بالنَّقْصِ مع الغُرَمَاءِ. وإن قلنا: ليس له الرُّجُوعُ قبلَ القَلْعِ.