للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَلْزَمْهُم تَسْوِيَةُ الحَفْرِ، ولا أَرْشُ النَّقْصِ، لأنَّهم فَعَلُوا ذلك فى أرْضِ المُفْلِسِ قبلَ رُجُوعِ البائِعِ فيها، فلم يَضْمَنُوا النَّقْصَ، كما لو قَلَعَهُ المُفْلِسُ قبلَ فَلَسِه، فأمَّا إن امْتَنَعَ المُفْلِسُ والغُرَمَاءُ من القَلْعِ، فلهم ذلك، ولا يُجْبَرُونَ عليه، لأنَّه غَرْسٌ بِحَقٍّ. ومَفْهُومُ قوله عليه السَّلَامُ: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" (٢٠). أنَّه إذا لم يكُنْ ظالمًا فله حَقٌّ. فإن بَذَلَ البائِعُ قِيمَةَ الغِرَاسِ والبِنَاءِ، ليكونَ له الكُلُّ. أو قال: أنا أقْلَعُ، وأضْمَنُ ما نَقَصَ. فإن قُلْنا: له الرُّجُوعُ قبلَ القَلْعِ. فله ذلك؛ لأنَّ البِنَاءَ والغِرَاسَ حَصَلَ فى مِلْكِه لغيرِه بِحَقٍّ، فكان له أخْذُه بِقِيمَتِه، أو قَلْعُه. وضَمَانُ نَقْصِه، كالشَّفِيعِ إذا أخَذَ الأَرْضَ وفيها غِرَاسٌ وبِنَاءٌ لِلْمُشْتَرِى، والمُعِيرِ إذا رَجَعَ فى أرْضِه بعدَ غَرْسِ المُسْتَعِيرِ. وإن قُلْنا: ليس له الرُّجُوعُ قبلَ القَلْعِ. لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ بِنَاءَ المُفْلِسِ وغَرْسَه فى مِلْكِه، فلم يُجْبَرْ على بَيْعِه لهذا البَائِعِ، ولا على قَلْعِه، كما لو لم يَرْجِعْ فى الأَرْضِ. فأمَّا إن امْتَنَعَ البائِعُ من بَذْلِ ذلك، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ، وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ. وقال القاضى: يَحْتَمِلُ أنَّ له الرُّجُوعَ. وهو القولُ الثانى لِلشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه أدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه، وفيه مَالُ المُشْتَرِى على وَجْهِ التَّبَعِ، فلم يَمْنَعْهُ ذلك الرُّجُوعَ، كالثَّوْبِ إذا صَبَغَهُ المُشْتَرِى. ولَنا، أنَّه لم يُدْرِكْ مَتَاعَهُ على وَجْهٍ يمكنُه أخْذُه مُنْفَرِدًا عن غيرِه، فلم يكُنْ له أَخْذُه، كالحَجَرِ فى البِنَاءِ، والمَسَامِيرِ فى البَابِ، ولأنَّ فى ذلك ضَرَرًا على المُشْتَرِى والغُرَمَاءِ، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولأنَّه لا يَحْصُلُ بالرُّجُوعِ هاهُنا انْقِطَاعُ النِّزَاعِ والخُصُومَةِ، بخِلَافِ ما إذا وَجَدَها غيرَ مَشْغُولَةٍ بشىءٍ. وأمَّا الثَّوْبُ إذا صَبَغَهُ، فلا نُسَلِّمُ أن له الرُّجُوعَ، فهو كمَسْأَلَتِنَا، وإن سَلَّمْنَا فالفَرْقُ بينهما من وَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنَّ الصِّبْغَ تَفَرَّقَ فى الثَّوْبِ، فصَارَ كالصِّفَةِ فيه، بخِلَافِ البِنَاءِ والغَرْسِ، فإنَّه أعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وأصْلٌ فى نَفْسِه. والثانى، أنَّ الثَّوْبَ لا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ،


(٢٠) أخرجه البخارى، فى: باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب الحرث. صحيح البخارى ٣/ ١٤٠. وأبو داود، فى: باب فى إحياء الموات، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود ٢/ ١٥٨. والترمذى، فى: باب ما ذكر فى إحياء أرض الموات، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ١٤٦. والإمام مالك، فى: باب القضاء فى عمارة الموت، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٤٣. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>