للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحَّ؛ لأنَّه مُمْكِنٌ (٢١) قَبْضُه، وليس لغيرِ الغاصِبِ القَبْضُ إلَّا بإذْنِ الواهِبِ. فإن وَكَّلَ المالِكُ الغاصِبَ في تَقْبِيضِه، صَحَّ. وإن وَكَّلَ المُتَّهِبُ الغاصِبَ في القَبْضِ له، فقَبِلَ، ومَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ قَبْضُه فيه، صارَ مَقْبُوضًا، ومَلَكَهُ المُتَّهِبُ، وبَرِئَ الغاصِبُ من ضَمَانِه. وإن قُلْنا: القَبْضُ ليس بِشَرْطٍ في الهِبَةِ. فما لا يُعْتَبَرُ فيه القَبْضُ من ذلك احْتَمَلَ أن لا يُعْتَبَرَ في [صِحَّةِ هِبَتِه] (٢٢) القُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ. وهو قول أبي ثَوْرٍ؛ لأنَّه تَمْلِيكٌ بغيرِ عِوَضٍ، أشْبَهَ الوَصِيَّةَ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَصِحَّ هِبَتُه؛ لأنَّه لا يَصِحُّ بَيْعُه، فلم تَصِحّ هِبَتُه، كالحَمْلِ في البَطْنِ. وكذلك يُخَرَّجُ في هِبَةِ الطَّيْرِ في الهَوَاءِ، والسَّمَكِ في الماءِ، إذا كان مَمْلُوكًا.

فصل: ولا تَصِحُّ هِبَةُ الحَمْلِ في البَطْنِ، واللَّبَنِ في الضّرْعِ. وبهذا قال أبو حنِيفةَ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ مَعْجُوزٌ عن تَسْلِيمِه. وفى الصُّوفِ على الظَّهْرِ وَجْهانِ، بِنَاءً على صِحَّة بَيْعِه. ومتى أذِنَ له في جَزِّ الصُّوفِ، وحَلْبِ الشّاةِ، كان إبَاحَةً وإن وَهَبَ دُهْنَ سِمْسِمِه قبلَ عَصْرِه، أو زَيْتَ زَيْتُونِه، أو جَفْتَه، لم يَصِحَّ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. ولا نَعْلَمُ لهم مُخَالِفًا. ولا تَصِحُّ هِبَةُ المَعْدُومِ، كالذى تُثْمِرُ شَجَرَتُه، أو تَحْمِلُ أَمَتُه؛ لأنَّ الهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ في الحيَاةِ، فلم تَصِحَّ في هذا كلِّه، كالبَيْعِ.

فصل: قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبي دَاوُدَ، وحَرْبٍ: لا تَصِحُّ هِبَةُ المَجْهُولِ. وقال، في رِوَايةِ حَرْبٍ: إذا قال: شَاةً من غَنَمِى. يَعْنِى (٢٣): وَهَبْتُها لك. لم يَجُزْ. وبه قال الشافِعِىُّ. ويَحْتَمِلُ أنَّ الجَهْلَ إذا كان في حَقِّ الواهِبِ، مَنَعَ الصِّحَّةَ؛ لأنَّه غَرَرٌ في حَقِّه. وإن كان من المَوْهُوبِ له، لم يَمْنَعْها؛ لأنَّه لا (٢٤) غرَرَ في حَقّه، فلم يُعْتَبَرْ في


(٢١) في الأصل: "يمكن".
(٢٢) في م: "صحته".
(٢٣) سقط من: الأصل.
(٢٤) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>