للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن شَرَطَ العامِلُ أنَّ أجْرَ الأُجَرَاءِ الذين يَحْتَاجُ إلى الاستِعانةِ بهم من الثَّمرَةِ، وقَدَّرَ الأُجْرَةَ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ العَمَلَ عليه، فإذا شَرَطَ أجْرَهُ من المالِ، لم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَ لِنَفْسِه أجْرَ عَمَلِه. وإن لم يُقَدِّرْهُ، فَسَدَ لذلك، ولأنَّه مَجْهُولٌ. ويُفَارِقُ هذا ما إذا شَرَط (٥٥) المُضَارِبُ أجْرَ ما يَحْتاجُ إليهم من الحَمَّالِينَ ونحوِهم؛ لأنَّ ذلك لا يَلْزَمُ العامِلَ، فكان على المالِ، ولو شَرَطَ أجْرَ ما يَلْزَمُه عَمَلُه بِنَفْسِه، لم يَصِحَّ، كمَسْأَلَتِنا.

فصل: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ المُساقاةَ والمُزَارَعةَ من العُقُودِ الجائِزَةِ، أَوْمَأَ إليه في رِوَايةِ الأَثْرَمِ، وسُئِلَ عن الأَكَّارِ يُخْرِجُ نَفْسَه من غيرِ أن يُخْرِجَهُ صاحِبُ الضَّيْعةِ، فلم يَمْنَعْهُ من ذلك. ذَكَرَهُ الشيخُ أبو عبد اللَّه ابن حامدٍ، وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الحَدِيثِ. وقال بعضُ أصْحَابِنا: هو عَقْدٌ لازِمٌ. وهو قول أكْثَر الفُقَهاءِ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فكان لازِمًا، كالإِجَارَةِ، ولأنَّه لو كان جائِزًا، جازَ لِرَبِّ المالِ فَسْخُه إذا أدْرَكَتِ الثَّمرَةُ، فيَسْقُطُ حَقُّ العامِلِ، فيَسْتَضِرُّ. ولَنا، ما رَوَى مُسْلِمٌ (٥٦) بإسْنادِه عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ اليَهُودَ سَأَلُوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقِرَّهُم بِخَيْبَرَ، على أن يَعْمَلُوها، ويكونَ لِرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شَطْرُ ما يَخْرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُقِرُّكُم عَلَى ذلِكَ مَا شِئْنَا". ولو كان لازِمًا لم يَجُزْ بغيرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، ولا أن يَجْعَلَ الخِيَرَةَ إليه في مُدَّةِ إقْرَارِهِم، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُنْقَلْ عنه أنَّه قَدَّرَ لهم ذلك بمُدَّةٍ، ولو قَدَّرَ لم يُتْرَكْ نَقْلُه، لأنَّ هذا ممَّا يُحْتَاجُ إليه، فلا يجوزُ الإِخْلَالُ بِنَقْلِه، وعُمَرُ رَضِىَ اللَّه عنه


(٥٥) في ب، م: "اشترط".
(٥٦) في: باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١١٨٧، ١١٨٨.
كما أخرجه البخاري، في: باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك اللَّه. . ., من كتاب الحرث، وفى: باب ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطى المؤلفة قلوبهم. . ., من كتاب الخمس. صحيح البخاري ٣/ ١٤٠، ٤/ ١١٦. وأبو داود، في: باب ما جاء في حكم أرض خيبر، من كتاب الإِمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٤١. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>