للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَطْعِهما، قالتْ صَفِيَّة: فلما أخْبَرْتُه بهذا رَجَعَ (٩). ورَوَى أبو حَفْصٍ، فى "شَرْحِه" بإسْنَادِه عن عبدِ الرحمنِ بن عَوْفٍ، أنَّه طافَ وعليه خُفَّانِ، فقال له عمرُ: والخُفَّانِ مع القَبَاءِ! فقال: قد لَبِسْتُهما مع مَنْ هو خَيْرٌ منك (١٠). يَعْنِى رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الأمْرُ بِقَطْعِهما مَنْسُوخًا؛ فإنَّ عَمْرَو بنَ دِينَارٍ رَوَى الحَدِيثَيْنِ جميعا، وقال: انْظُرُوا أيَّهما كان قَبْلُ. قال الدَّارَقُطْنِىُّ، قال أبو بكرٍ النَّيْسَابُورِىُّ: حَدِيثُ ابنِ عمرَ قَبْلُ؛ لأنَّه قد جاءَ فى بعضِ رِوَايَاتِه، قال: نَادَى رَجلٌ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو فى المَسْجِدِ، يَعْنِى بالمَدِينَةِ، فكأنَّهُ كان قبلَ الإحْرامِ. وفى حَدِيثِ ابنِ عَبّاسٍ يقولُ: سمعتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِعَرَفَات، يقولُ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ" (١١). فيَدُلُّ على تَأخُّرِهِ عن حديثِ ابنِ عمرَ فيكون نَاسِخًا له، ثُمَّ (١٢) لو كان القَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ، إذْ لا يجوزُ تَأخِيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحَاجَةِ إليه، والمَفْهُومُ من [إطْلَاقِ الحديثِ لُبْسُهما] (١٣) على حَالِهما مِن غيرِ قَطْعٍ، والأوْلَى قَطْعُهما، عَمَلًا بِالحَدِيثِ الصَّحِيح، وخُرُوجًا من الخِلافِ، وأخْذًا بِالاحْتِياطِ.

فصل: فإنْ لَبِسَ المَقْطُوعَ، مع وُجُودِ النَّعْلِ، فعليه الفِدْيَةُ، ولَيس له لُبْسُه. نَصَّ عليه أحمدُ. وبهذا قال مالِكٌ. وقال أبو حنيفةَ: لا فِدْيَةَ عليه؛ لأنَّه لو كان لُبْسُه مُحَرَّمًا، وفيه فِدْيَةٌ، لم يَأْمُرِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَطْعِهما، لِعَدَمِ الفَائِدَةِ فيه. وعن الشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّ النَّيِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَطَ فى إباحَةِ لُبْسِهما عَدَمَ النَّعلَيْنِ،


(٩) أخرجه أبو داود، فى: باب ما يلبس المحرم، من كتاب المناسك. سنن أبى داود ١/ ٤٢٥. والبيهقى، فى: باب ما تلبس المرأة المحرمة من الثياب، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٥٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٣٥. والحديث فى هذه المصادر عن الترخيص للمحرمة أن تلبس خفيها ولا تقطعهما.
(١٠) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ١/ ١٩٢.
(١١) تقدم تخريجه فى صفحة ١٢٠.
(١٢) فى م: "لأنه".
(١٣) فى أ، ب، م: "إطلاق لبسهما لبسهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>