للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعِكْرِمَةُ، وسَعِيدُ بن سَالِمٍ القَدَّاحُ (٤). وعن أحمَدَ، أنَّه يَقْطَعُهما، حتى يَكُونا أسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ، فإنْ لَبِسَهما من غيرِ قَطْعٍ، افْتَدَى. وهذا قولُ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، ومالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَس الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". مُتَّفَقٌ عليه (٥)، وهو مُتَضَمِّنٌ لِزيادَةٍ على حديثِ ابنِ عَبّاسٍ، وجابِرٍ، والزِّيادَةُ من الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. قال الخَطَّابِىُّ (٦): العَجَبُ من أحمدَ فى هذا، فإنَّه لا يَكادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُه، وقَلَّتْ سُنَّةٌ لم تَبْلُغْهُ. واحْتَجَّ أحمدُ بِحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، وجابِرٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". مع قولِ علىٍّ رَضِىَ اللهُ عنه: قَطْعُ الخُفَّيْنِ فَسَادٌ، يَلْبَسُهما كما هما. مع مُوافَقَةِ القِياس، فإنَّه مَلْبُوسٌ أُبِيحَ لِعَدَمِ غيرِه، فأشْبَهَ السَّرَاوِيلَ، وقَطْعُه لا يُخْرِجُهُ عن حَالَةِ الحَظْرِ (٧)، فإنَّ لُبْسَ المَقْطُوعِ مُحَرَّمٌ مع القُدْرَةِ على النَّعْلَيْنِ، كلُبْسِ الصَّحِيحِ، وفيه إتْلافُ مَالِه، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إضَاعَتِه. فأمَّا حديثُ ابنِ عمرَ، فقد قِيلَ إنَّ قَوْلَه: "ولْيَقْطَعْهُما" مِن كلامِ نَافِعٍ. كذلك رَويْنَاهُ فى "أمالِى أبى القَاسِمِ بن بِشْرَانَ" (٨)، بإسْنادٍ صَحِيحٍ، أنَّ نَافِعًا قال بعدَ رِوَايَتِه لِلْحَدِيثِ: وْليَقْطَع الخُفَّيْنِ أسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ. ورَوَى ابنُ أبى موسى، عن صَفِيَّةَ بنت أبِى عُبَيْدٍ، عن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ أنْ يَلْبَسَ الخُفَّيْنِ، ولا يَقْطَعَهُما، وكان ابنُ عمرَ يُفْتِى


(٤) أبو عثمان سعيد بن سالم القداح المكى، روى عن الثورى، وروى عنه الشافعى، وهو ثقة، توفى قبل المائتين. تهذيب التهذيب ٤/ ٣٥.
(٥) تقدم فى الصفحة قبل السابقة.
(٦) فى معالم السنن ٢/ ١٧٦، ١٧٧.
(٧) فى النسخ: "الخطر".
(٨) أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد اللَّه بن بشران الأموى، المحدث الثقة، توفى سنة ثلاثين وأربعمائة، ونسخة أماليه فى الظاهرية. تاريخ التراث العربى ١/ ١/ ٤٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>