للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى إِثْباتِ حَقٍّ لِوَارِثه في المُحاباةِ، ويُفارِقُ الهِبَةَ لِغَرِيمِ الوارِثِ؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَ الوَارِثِ الأَخْذَ بِدَيْنِه لا من جِهَةِ الهِبَةِ، وهذا اسْتِحْقَاقُه بالبَيْعِ الحاصِلِ من مَوْرُوثِه، فَافْتَرَقَا. ولأصْحَابِ الشّافِعِىِّ في هذا خَمْسَةُ أَوْجهٍ، وَجْهَانِ كهذَيْنِ. والثالث، أنَّ البَيْعَ باطِلٌ من أَصْلِه؛ لإِفْضائِه إلى إِيصَالِ المُحاباةِ إلى الوارِثِ. وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّ الشُّفْعَةَ فَرْعٌ لِلبَيْعِ. ولا يَبْطُلُ الأصْلُ بِبُطْلانِ فَرْعٍ له. وعلى الوَجْهِ الأَوَّلِ، ما حَصَلَتْ لِلْوَارِثِ بالمُحابَاةِ (٦٧)، إنَّما حَصَلَتْ لغيرِه، وَوَصَلَتْ إليه بِجِهَةِ الأَخْذِ من المُشْتَرِى، فأَشْبَهَ هِبَةَ غَرِيمِ الوارِثِ. الوَجْهُ الرابع، أنَّ لِلشَّفِيعِ أن يَأْخُذَ بِقَدْرِ ما عدا المُحابَاةَ بجَمِيع (٦٨) الثَّمنِ، بمَنْزِلَةِ هِبَةِ [المُقَابِلِ لِلْمُحاباةِ؛ لأنَّ المُحاباةَ بالنِّصْفِ مَثَلًا هِبَةٌ لِلنِّصْفِ. وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو كان بمَنْزِلَةِ هِبَةِ] (٦٩) النِّصْفِ، ما كان لِلشَّفِيعِ الأَجْنَبِىِّ أَخْذُ الكُلِّ، لأنَّ المَوْهُوبَ لا شُفْعَةَ فيه. الخامس، أنَّ البَيْعَ يَبْطلُ في قَدْرِ المُحاباةِ، وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّها مُحابَاةٌ لأَجْنَبِيٍّ بما دون الثُّلُثِ، فلا تَبْطُلُ، كما لو لم يَكُنِ الشِّقْصُ مَشْفُوعًا.

فصل: ويَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِأَخْذِه بكلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ على أَخْذِه، بأن يقولَ: قد أخَذْتُه بالثمَنِ. أو تَمَلَّكْتُه بالثَّمَنِ. أو نحو ذلك، إذا كان الثَّمَنُ والشِّقْصُ مَعْلُومَيْنِ، ولا يَفْتَقِرُ إلى حُكْمِ (٧٠) حاكِمٍ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال القاضي، وأبو الخَطَّابِ: يَمْلِكُه بالمُطَالَبةِ؛ لأنَّ البَيْعَ السّابِقَ سَبَبٌ، فإذا انْضَمَّتْ إليه المُطَالَبَةُ، كان كالإِيجَابِ في البَيْعِ انْضَمَّ إليه القَبُولُ. وقال أبو حنيفةَ: يَحْصُلُ بحُكْمِ الحاكِمِ؛ لأنَّه نَقْلٌ لِلْمِلْكِ عن مَالِكِه إلى غيرِه قَهْرًا فافْتَقَرَ إلى حُكْمِ الحاكِمِ، كَأَخْذِ دَيْنِه. ولَنَا، أنَّه حَقٌّ ثَبَتَ بالنَّصِّ والإِجْماعِ، فلم يَفْتَقِرْ إلى حاكِمٍ، كالرَّدِّ بالعَيْبِ. وما ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ


(٦٧) في ب، م: "المحاباة".
(٦٨) في م: "بقدره من".
(٦٩) سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(٧٠) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>