للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد تَرِبَ فُوهُ، فهو أَحَبُّ إلىَّ من أَنْ أُضَحِّىَ (٨). وبهذا قال الشَّعْبِىُّ وأبو ثورٍ. وقالت عائِشةُ: لأنْ أتصَدَّقَ بخاتَمِى هذا أَحَبُّ إلىَّ من أَنْ أُهْدِىَّ إلى البيتِ ألْفًا. ولَنا، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضَحَّى والخلفاءَ بعدَه، ولو عَلِمُوا أن الصَّدَقَةَ أفْضَلُ، لعَدَلُوا إلَيْها. ورَوَتْ عائِشَةُ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَا عَمِلَ ابنُ آدمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أحبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إراقَةِ دَمٍ، وإنَّه لَيُؤتَى يَوْمَ الْقِيامَةِ بِقُرُونِهَا وأظْلَافِهَا وأشْعارِهَا، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ بِمَكانٍ قَبْلَ أَنْ يقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا". روَاه ابنُ ماجَه (٩). ولأنَّ إيثارَ الصَّدَقَةِ على الأُضْحِيَةِ يُفْضِى إلى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فأمَّا قولُ عائِشَةَ، فهو فى الهَدْى دُونَ الأُضْحِيَةِ، وليس الخلافُ فيه.

١٧٤٩ - مسألة؛ قال: (ومَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّىَ، فَدخلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ ولَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا)

ظاهِرُ هذا تَحْرِيمُ قَصِّ الشَّعَرِ. وهو قولُ بعضِ أصحابِنا. وحكاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ وإسحاقَ وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ. وقال القاضِى، وجماعَةٌ من أصحابِنا: هو مكروهٌ، غيرُ مُحرَّمٍ. وبه قال مالِكٌ، والشافِعِى، لقولِ عائشةَ: كُنْتُ أفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم يُقَلّدُها بيَدِه، ثم يَبْعَث بها، ولا يَحْرُمُ عليه شىءٌ أحَلَّه اللَّه له، حتَّى ينْحَرَ الهَدْىَ. مُتَّفَقٌ عليه (١). وقال أبو حنيفةَ: لا يُكْرَه ذلك؛ لأنَّه لا يَحْرُمُ عليه الوَطْءُ واللِّبَاسُ، فلا يُكْرَهُ له حَلْقُ الشَّعَرِ، وتَقْليمُ الأظْفارِ، كما لو لم يُرِدْ أَنْ يُضَحِّىَ. ولَنا، ما رَوَت أمُّ سَلَمَةَ، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأرَادَ أحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ ولَا مِنْ أظْفارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّىَ". روَاه مُسْلِم (٢). ومُقْتَضَى


(٨) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب الضحايا، من كتاب المناسك. المصنف ٤/ ٣٨٥.
(٩) فى: باب ثواب الأضحية، من كتاب الأضاحى. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٤٥.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى فضل الأضحية، من أبواب الأضاحى. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٨٩.
(١) تقدم تخريجه، فى: ٥/ ٤٥٤، ٤٥٥.
(٢) تقدم تخريجه، فى الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>