للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البُغاةِ إنَّما هو لدَفْعِهِم ورَدِّهم إلى الحقِّ، لا لكُفْرِهم، فلا يُسْتباحُ منهم إلَّا ما حَصَلَ ضَرُورةَ الدَّفْعِ؛ كالصَّائلِ، وقاطِعِ الطَّريقِ، وبقِىَ حُكْمُ المالِ والذُّرِّيَّةِ على أصلِ العِصْمَةِ. وما أُخِذَ من كُرَاعِهم وسِلاحِهم، لم يُرَدَّ إليهم حالَ الحربِ؛ لئلَّا يُقاتِلُونا به. وذكَر القاضِي، أنَّ أحمدَ أوْمأَ إلى جَوازِ الانْتِفاعِ به حالَ الْتِحامِ الحربِ، ولا يجوزُ في غيرِ قتالِهم. وهذا قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ هذه الحالَ يجوزُ فيها إتْلافُ نُفوسِهمْ وحَبْسُ سِلاحِهم وكُراعِهم (٢٠)؛ فجازَ الانْتِفاعُ به، كسلاحِ أهلِ الحربِ. وقال الشافِعيُّ: لا يجوزُ ذلك إلَّا من ضَرُورةٍ إليه؛ لأنَّه مالُ مسلمٍ، فلم يَجُزْ الانْتفاعُ به بغيرِ إذْنِه، كغيرِه من أمْوالِهم. وقال أبو الخطَّاب: في هذه المسألةِ وَجْهانِ، كالمذْهَبينِ. ومتى انقَضتِ الحربُ، وَجَبَ رَدُّه إليهم، كما تُرَدُّ (٢١) سائرُ أمْوالِهم؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (٢٢). ورَوَى أبو قَيْسٍ، أنَّ عليًّا، رَضِيَ اللَّه عنه، نادَى: من وَجَدَ مالَه فليأْخُذْه.

١٥٣٥ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، غُسِّلَ وكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيهِ)

يَعني من أهلِ البَغْيِ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعيُّ. وقال أصحابُ الرَّأْيِ: إنْ لم يكُنْ لهم فِئَةٌ، صُلِّيَ عليهم، وإنْ كانتْ لهم فِئَةٌ، لم يُصَلَّ عليهم؛ لأنَّه يجوزُ قَتْلُهم في هذه الحالِ، فلم يُصَلَّ عليهم، كالكُفَّارِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ" (١). رَوَاه الخَلَّالُ، في "جامِعِه". ولأنَّهم مسلِمون لم يثْبُتْ لهم حُكْمُ الشَّهادَةِ، فيغَسَّلون، ويُصَلَّى عليهم، كما لو لم يكُنْ لهم فِئَةٌ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالزَّانِي المُحْصَنِ، والمُقْتَصِّ منه، والقاتلِ في المُحارَبَةِ.

فصل: لم يُفَرِّقْ أصْحابُنا بينَ الخَوارجِ وغيرِهم في هذا. وهو مذهبُ الشافِعِيِّ،


(٢٠) الكراع: اسم يجمع الخيل.
(٢١) في م زيادة: "إليهم".
(٢٢) تقدم تخريجه في: ٦/ ٦٠٦.
(١) تقدم تخريجه، في: ٣/ ٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>