للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْلَمُ من خُرُوجِ فَضْلَةٍ منه فيه، ولأنه ليس بِدَمٍ مَسْفُوحٍ، وإنَّما حَرَّمَ اللهُ الدَّمَ المَسْفُوحَ. والرِّوَايةُ الثَّانِيَةُ، عن أحمدَ، قال في دَمِ البَرَاغِيثِ إذا كَثُرَ: إنِّي لأفْزَعُ منه. وقال النَّخَعِىُّ: اغْسِلْ ما اسْتَطَعْتَ. وقال مالِكٌ في دَمِ البَرَاغِيثِ: إذا كَثُرَ وانْتَشَرَ، فإنِّى أرَى أن يُغْسَلَ. والأوَّلُ أَظْهَرُ. وقولُ أحمدَ: إني لأفْزَعُ منه. ليس [بِتَصْرِيحٍ بنَجاستِه] (٢٣)، وإنّما هو دَلِيلٌ على تَوَقُّفِه فيه، ولأنَّ (٢٤) المَنْسُوبَ إلى [دَمِ البَرَاغِيثِ] (٢٥) إنَّما هو بَوْلُها في الظَّاهِرِ، وبَوْلُ هذه الحشراتِ ليس بِنَجِسٍ، واللهُ أَعلمُ. وقال أبُو الخَطَّابِ: دَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ؛ لأنَّ إبَاحَتَه لا تَقِفُ على سَفْحِه، ولو كان نَجِسًا، لَوَقَفَتِ الإِباحَةُ على إرَاقَتِه بالذَّبْحِ، كحَيَوانِ البَرِّ، ولأنَّه إذا تُرِكَ اسْتَحال فصارَ ماءً. وقال أبو ثَوْرٍ: هو نَجِسٌ؛ لأنَّه دَمٌ مَسْفُوحٌ، فَيَدْخُلُ في عُمُومِ قَوْلِه تعالى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (٢٦).

فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ في العَفْوِ عن يَسِيرِ القَىْءِ، فرُوِىَ عن أحمد، أنَّه قال: هو عِنْدِى بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ؛ وذلك لأنَّه خَارِجٌ من الإِنْسَانِ نَجِسٌ من غيرِ السَّبِيلِ، فأشْبَهَ الدَّمَ. ورُوِىَ عنه في المَذْىِ أنَّه قال: يُغْسَلُ ما أصَابَ الثَّوْبَ منه، إلَّا أن يكونَ يَسِيرًا. ورَوَى الخَلَّالُ، بإسْنَادِهِ قال: سُئِلَ سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ، وأبو سَلَمةَ بن عبدِ الرحمنِ، وسليمانُ بن يَسَارٍ، عن المَذْىِ يَخْرُجُ، فَكُلُّهُم قال: إنَّه بِمَنْزِلَةِ القَرْحَةِ، فما عَلِمْتَ منه فَاغْسِلْهُ، وما غَلَبَكَ منه فَدَعْهُ، ولأنَّه يَخْرُجُ من الشَّبَابِ كَثِيرًا، فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فَعُفِىَ عن يَسِيرِه، كالدَّمِ. وكذلك المَنِىُّ إذا قُلْنَا بِنَجَاسَتِه. ورُوِىَ عنه في الوَدْىِ مثلُ ذلك، إلَّا أنَّ الظَّاهِرَ عنه أن حُكْمَهُ حُكْمُ البَوْلِ؛ لأنَّه من مَخْرَجِه. ورُوِىَ عن أحمدَ أيضًا أنَّه يُعْفَى عن رِيقِ البَغْلِ والحِمارِ


(٢٣) في أ، م: "بصريح في نجاسته".
(٢٤) في أ، م: "وليس".
(٢٥) في م: "البراغيث دم".
(٢٦) سورة الأنعام ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>