للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَقَبَةً، يَعْتِقِ اللهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ" (١٣). ولأنَّها إذا وَجَبَتْ في قَتْلِ الخطإِ، ففى العَمْدِ أوْلَى؛ لأنَّه أعْظَمُ إثْمًا، وَأكْبَرُ جُرْمًا، وحاجتُه إلى تَكْفِيرِ ذَنْبِه أعْظَمُ. ولَنا، مَفْهومُ قولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. ثم ذكَر قَتْلَ العَمْدِ، فلم يُوجبْ فيه كَفَّارةً، وجَعَلَ جَزاءَه جَهَنَّمَ، فمَفْهومُه أنَّه لا كَفَّارةَ فيه ورُوِيَ أنَّ [الحارثَ بنَ] (١٤) سُوَيْد بن الصَّامتِ قتلَ رجلًا، فأوْجَبَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه القَوَدَ، ولم يُوجِبْ كَفَّارةً. وعمرو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قتلَ رَجُلَيْن كانَا (١٥) في عهدِ النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَوَدَاهُما النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم [يأمُرْهُ بكفَّارةٍ] (١٦). ولأنَّه فِعلٌ يُوجِبُ (١٧) القتلَ، فلا يُوجِبُ كفارةً، كزنَى الْمُحصَنِ، وحديثُ واثلةَ، يَحْتَمِلُ أنَّه كان خطأً، وسَمَّاه مُوجِبًا، أي فوَّت النَّفْسَ بالقَتْلِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه كانَ شِبْهَ عَمْدٍ. ويحتَمِلُ أنَّه أمرَهم بالإِعْتاقِ تَبَرُّعًا، ولذلك أمرَ غيرَ القاتلِ بالإِعْتاقِ. وما ذَكروه من المعنى لا يَصِحُّ؛ لأنَّها وجَبتْ في الخطإِ، فتَمْحُوا إثْمَه؛ لكَوْنِه لا يَخْلُو مِن تَفْريطٍ، فلا يَلْزَمُ من ذلك إيجابُها في مَوْضِعٍ عَظُمَ (١٨) الإِثْمُ فيه، بحيثُ لا يرْتَفِعُ بها. إذا ثبتَ هذا، فلا فَرْقَ بينَ العمدِ المُوجِبِ للقِصاصِ، وما لا قِصاصَ فيه، كقتلِ الوَالدِ ولدَه والسَّيِّدِ عبدَه، والحُرِّ العبدَ، والمسلمِ الكافرَ؛ لأنَّ هذا من أنْواعِ العَمْدِ.

فصل: وتجبُ الكَفَّارةُ في شِبْهِ العَمْدِ. ولم (١٩) أعلمْ لأصْحابِنا فيه قولًا، لكنْ


(١٣) أخرجه أبو داود، في: باب في ثواب العتق، من كتاب العتق، سنن أبي داود ٢/ ٣٥٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٩١.
(١٤) تكملة لازمة. وانظر القصة في: الطبقات الكبرى، لابن سعد (بيروت) ٣/ ٥٥٢، ٥٥٣. والسيرة، لابن هشام ٣/ ٨٩.
(١٥) سقط من: م.
(١٦) في م: "يوجب كفارة".
والحديث تقدم، في: ٩/ ١٥٨.
(١٧) في ب: "موجب".
(١٨) في ب زيادة: "منه".
(١٩) في ب: "ولا".

<<  <  ج: ص:  >  >>