للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاغْتِرافِ بدَلْوٍ أوْ ثَوْبٍ يَبُلُّه ثم يَعْصِرُهُ. لَزِمَهُ ذلك، وإنْ خافَ فَوْتَ الوَقْتِ؛ لأنَّ الاشْتِغَالَ به كالاشْتِغَالِ بالوُضُوءِ. وحُكْمُ مَنْ في السَّفِينَةِ في الماءِ كحُكْمِ واجِدِ البِئْرِ، وإنْ لم يُمْكِنْه الوُصُولُ إلى مائِها إلَّا بِمَشَقَّةٍ، أو تغرِيرٍ بالنَّفْسِ، فهو كالعادِمِ. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، ومَنْ تَبِعَهُم. ومَنْ كان الماءُ قَرِيبًا منه، يُمْكِنُه تَحْصِيلُهُ، إلَّا أنه يخافُ فَوْتَ الوَقْتِ، لَزِمَهُ السَّعْىُ إليه والاشْتِغَالُ بتَحْصِيلِهِ، وإنْ فَاتَ الوَقْتُ؛ لأنَّه واجِدٌ لِلْمَاءِ، فلا يُبَاحُ له التَّيَمُّمُ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}.

فصل: وإنْ بُذِلَ له مَاءٌ لِطهَارَتِه، لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لأنَّه قَدَرَ على اسْتِعْمَالِه، ولا مِنَّةَ في ذلك في العادَةِ. وإنْ لم يَجِدْهُ إلَّا بِثَمَنٍ لا يَقْدِرُ عليه، فَبُذِلَ له الثَّمَنُ، لم يَلْزَمْهُ قَبُولُه؛ لأنَّ المِنَّةَ تَلْحَقُ به. وإنْ وَجَدَهُ (٨) يُبَاعُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ في مَوْضِعِهِ، أو زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ، يَقْدِرُ على ذلك، مع اسْتِغْنَائِه عنه، لِقُوتِهِ ومُؤْنَةِ سَفَرِهِ، لَزِمَهُ شِرَاؤُه. وإن كانت الزِّيادَةُ كَثِيرَةً تُجْحِفُ بِمالِهِ، لم يَلْزَمْه شِراؤُه؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا. وإن كانت كثيرةً (٩)، لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ فِيمَنْ بُذِلَ له ماءٌ بِدِينَارٍ، معه مائةٌ. فيَحْتَمِلُ إذَنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما؛ يَلْزَمُهُ شِراؤُهُ؛ لأنَّه واجِدٌ لِلْمَاءِ، قادِرٌ عليه، فيَلْزَمُهُ استِعْمالُهُ بِدَلالةِ قَوْلِهِ تَعالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. والثانى؛ لا يَلْزَمُهُ شِراؤُهُ؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا في الزِّيادَةِ الكثِيرةِ، فلم يَلْزَمْهُ بَذْلُها، كما لو خافَ لِصًّا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ ذلك المِقْدَارَ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَلْزَمُهُ شِراؤُهُ بِزِيادةٍ يَسِيرَةٍ ولا كَثِيرَةٍ؛ لذلك. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. وهذا وَاجِدٌ، فإنَّ القُدْرَةَ على ثَمَنِ العَيْنِ كالقُدْرَةِ على العَيْنِ، في المَنْعِ من الانْتِقَالِ إلى البَدَلِ، بِدَلِيلِ ما لو بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِها، وكالرَّقَبَةِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، ولأنَّ ضَرَرَ المالِ دُونَ ضَرَرِ النَّفْسِ، وقد قالوا في المريضِ: يَلْزَمُهُ الغُسْلُ، ما لم يَخَفِ التَّلَفَ. فَتَحَمُّلُ الضَّرَرِ اليَسِيرِ في المالِ أَحْرَى. فإن لم يكنْ معه ثَمَنُه، فُبذِلَ له بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ يَقْدِرُ على


(٨) في م: "وجدوه".
(٩) في م: "يسيرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>