للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَقِيَ على الأصْلِ، فكان السَّابِقُ إليه أحَقَّ به، كمَن وَسَّعَ لِرَجُلٍ في طَرِيقٍ، فمَرَّ غَيْرُه. وما قُلْنَا أصَحُّ، ويُفَارِقُ التَّوْسِعَةَ في الطَّريقِ، لأنَّها إنَّما جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فيها، فمن انْتَقَلَ من مَكَانٍ فيها لم يَبْقَ له فيه (٣٨) حَقٌّ يُؤْثِرُ به، وليس كذلك المَسْجِدُ، فإنَّه لِلْإِقامَةِ فيه، ولا يَسْقُطُ حَقُّ المُنْتَقِلِ مِن مكانِه إذا انْتَقَلَ لِحاجَةٍ، وهذا إنَّما انْتَقَلَ مُؤْثِرًا لِغيرِه، فأشْبَهَ النَّائِبَ الذي بَعَثَهُ إنْسانٌ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ يَحْفَظُه له. ولو كان الجالِسُ مَمْلُوكًا، لم يَكُنْ لِسَيِّدِه أن يُقيمَهُ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ هذا ليسَ بمالٍ، وهو حَقٌّ دِينِيٌّ، فاسْتَوَى هو وسَيِّدُه فيه، كالحُقُوقِ الدِّينِيَّة كُلِّها، واللهُ أعلمُ.

فصل: وإن فَرَشَ مُصَلًّى له في مكانٍ، ففيه وَجْهانِ: أحدهُما، يجوزُ رَفْعُه، والجُلُوسُ في مَوْضِعِه، لأنَّه لا حُرْمَةَ له، ولأنَّ السَّبْقَ بالأجْسامِ، لا بالأوْطِئَةِ والمُصَلَّياتِ، ولأنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إلى أنَّ صَاحِبَه يَتَأَخَّرُ، ثم يَتَخَطَّى رِقَابَ المُصَلِّينَ، ورَفْعُه يَنْفِي ذلك. والثاني: لا (٣٩) يَجُوزُ؛ لأنَّ فيه افْتِياتًا على صَاحِبِه، رُبَّما أفضَى إلى الخُصُومَةِ، ولأنَّه سَبَقَ إليه، فكان كَمُتَحَجِّرِ المَواتِ.

فصل: ويُسْتَحَبُّ الدُّنُوُّ من الإِمامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ غَسَّلَ واغْتَسَلَ، وبَكَّرَ وابْتَكَرَ، ومَشَى ولَمْ يَرْكَبْ، ودَنَا مِنَ الإِمَامِ فاسْتَمَعَ، ولم يَلْغُ، كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أجْرُ صِيَامِهَا وقِيَامِها". رَوَاه أبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَه (٤٠). وهذا لَفْظُهُ. وعن سَمُرَةَ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "احْضَرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِن الْإِمَامِ، فَإنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حتَّى يُؤَخَّرَ في الجَنَّةِ وإنْ دَخَلَهَا". رَوَاه أبو دَاوُدَ (٤١)، ولأنَّه أمْكَنُ له من السَّماعِ.


(٣٨) في م: "فيها".
(٣٩) سقط من: م.
(٤٠) تقدم تخريجه في صفحة ١٦٦.
(٤١) في: باب الدنو من الإِمام عند الموعظة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٥٤. كما أخرجه =

<<  <  ج: ص:  >  >>