للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابنُ المُنْذِرِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يَنْفَسِخُ العَقْدُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ؛ لكَوْنِ المُسْلَمِ فيه مِن ثَمَرَة العامِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ منها، فإذا هَلَكَتْ انْفَسَخَ العَقْدُ، كما لو بَاعَهُ قَفِيزًا من صُبْرَةٍ فهَلَكَتْ. والأَوَّلُ الصَّحِيحُ؛ فإنَّ العَقْدَ قد صَحَّ، وإنَّما تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فهو كما لو اشْتَرَى عَبْدًا فأبَقَ قبلَ القَبْضِ. ولا يَصِحُّ دَعْوَى التَّعْيِينِ في هذا العامِ؛ فإنَّهما لو تَرَاضَيَا على دَفْعِ المُسْلَمِ فيه مِن غيرِها، جَازَ، وإنَّما أُجْبِرَ على دَفْعِه من ثَمَرَةِ العامِ، لِتَمْكِينِه من دَفْعِ ما هو بِصِفَةِ حَقِّه، ولذلك يَجِبُ عليه الدَّفْعُ من ثَمَرَةِ نَفْسه إذا وَجَدَها ولم يَجِدْ غيرَها، وليست مُتَعَيِّنَةً. وإن تَعَذَّرَ البَعْضُ، فلِلْمُشْتَرِى الخِيَارُ بين الفَسْخِ في الكُلِّ، والرُّجُوعِ بالثَّمنِ، وبين أن يَصْبِرَ إلى حينِ الإِمْكانِ، ويُطَالِبَ بِحَقِّه. فإن أحَبَّ الفَسْخَ في المَفْقُودِ دون المَوْجُودِ، فله ذلك؛ لأنَّ الفَسادَ طَرَأَ بعد صِحَّةِ العَقْدِ، فلا يُوجِبُ الفَسادَ في الكُلِّ, كما لو بَاعَهُ صُبْرَتَيْنِ فتَلِفَتْ إحْدَاهُما. وفيه وجهٌ آخَرُ: ليس له الفَسْخُ إلَّا في الكُلِّ، أو يَصْبِرُ، على ما ذَكَرْنَا من الخِلَافِ في الإِقَالَةِ في بعض المُسْلَمِ فيه. وإنْ قُلْنا: إنَّ الفَسْخَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التّعَذُّرِ. انْفَسَخَ في المَفْقُودِ دون المَوْجُودِ؛ لما ذَكَرْنَا مِن أنَّ الفَسادَ الطَّارِىءَ على بعضِ المَعْقُودِ عليه لا يُوجِبُ فَسادَ الجميعِ، ويَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِى خِيارُ الفَسْخِ في المَوْجُودِ، كما ذَكَرْنا في الوَجْهِ الأَوَّلِ.

فصل: إذا أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ إلى نَصْرَانِيٍّ في خَمْرٍ، ثم أسْلَمَ أحَدُهما. فقال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أن المُسْلِمَ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ. كذلك قال الثَّوْرِيُّ، وأحْمَدُ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وبه نقولُ؛ لأنَّه إن كان المُسْلِمُ المُسَلِّمَ فليس له اسْتِيفَاءُ الخَمْرِ، فقد تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ المَعْقُودِ عليه، وإن كان المُسْلَمَ إليه فقد تَعَذَّرَ عليه إِيفَاؤُها، فصارَ الأَمْرُ إلى رَأْسِ مَالِهِ.

٧٧٧ - مسألة؛ قال: (ويَقْبِضُ الثَّمَنَ كَامِلًا وَقْتَ السَّلَمِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ)

هذا الشَّرْطُ السَّادِسُ، وهو أن يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ في مَجْلِسِ العَقْدِ، فإن تَفَرَّقَا قبل ذلك بَطَلَ العَقْدُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ والشَّافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: يجوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>