للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كَالَه أحَدُهُما وحَمَلَه أجْنَبِىٌّ بأَمْرِه، فهو كما لو حَمَلَه الذي كَالَهُ، وإن كان بأمْرِ الآخَرِ، فهو كما لو حَمَلَهُ الآخَرُ، وإن حَمَلَهُ بغيرِ أمْرِهِما، فهو كما لو كَالَه ثم حَمَلَهُ.

٩٠٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَجُوزُ أنْ يَكْتَرِىَ مُدَّةَ (١) غَزَاتِهِ)

هذا قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ، منهم الأوْزاعِىُّ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال مالِكٌ: قد عُرِفَ وَجْهُ ذلك، وأرْجُو أن يكونَ حَقِيقًا. ولَنا، أنَّ هذه إجَارَةٌ، في مُدَّةٍ مَجْهُولةٍ، وعَمَلٍ مَجْهُولٍ، فلم يَجُزْ، كما لو اكْتَرَاها (٢) لِمُدَّةِ سَفَرِه في تِجَارَتِه، ولأنَّ مُدَّةَ الغَزَاةِ تَطُولُ وتَقْصُرُ، ولا حَدَّ لها تُعْرَفُ به، والعَمَلُ فيها يَقِلُّ ويَكْثُرُ، ونِهايةُ سَفَرِهِم تَقْرُبُ وتَبْعُدُ، فلم يَجُز التَّقْدِيرُ بها، كغَيْرِها من الأسْفارِ المَجْهُولةِ. فإن فَعَلَ ذلك، فله أجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّه عَقَدَ على عِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، لِفَسَادِ العَقْدِ، فوَجَبَ أجْرُ المِثْلِ، كسائِر الإِجَاراتِ الفاسِدَةِ.

٩٠٦ - مسألة؛ قال: (فَإنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، فَجَائِزٌ)

وجملتُه أنَّ مَن اكْترَى فَرَسًا مُدَّةَ غَزْوِه، كلَّ يوم بِدِرْهمٍ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ صِحَّتُه. وقال الشافِعِىُّ: هذا فاسِدٌ؛ لأنَّ مُدَّةَ الإِجارَةِ مَجْهُولةٌ. ولَنا، أنَّ عَلِيًّا، رَضِىَ اللَّه عنه، أجَرَ نَفْسَه كلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ (١)، وكذلك الأنْصارِىُّ (٢)، ولم يُنْكِرْه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنَّ كلَّ يومٍ مَعْلُومٌ مُدَّتُه وأُجْرَتُه، فصَحَّ، كما لو قال: أجَرْتُكَها شَهْرًا، كلَّ يومٍ بدِرْهَمٍ. أو قال: اسْتَأْجَرْتُكَ لِنَقْلِ هذه الصُّبْرةِ، كلَّ قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ. ولا بُدَّ من تَعْيِينِ ما يَسْتَأْجِرُ له، إمَّا لِرُكُوبٍ، أو حَمْلٍ مَعْلُومٍ. ويَسْتَحِقُّ الأجْرَ المُسَمَّى لكلِّ يومٍ، سواءٌ كانت مُقِيمَةً أو سائِرَةً؛ لأنَّ المنافِعَ ذَهَبَتْ في مُدَّتِه (٣)، فأشْبَهَ


(١) في الأصل: "لمدة".
(٢) في ب، م: "أكراها".
(١) تقدم تخريجه في: ٦/ ٢٠٨.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢١.
(٣) في الأصل: "مدة".

<<  <  ج: ص:  >  >>