للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم- رَأْسَهُ، وقد قال أبو هُرَيْرَةَ: لا يَرْكَعْ أحَدُكم حتَّى يَأْخُذَ مَقَامَهُ من الصَّفِّ. ولم يُفَرِّقِ القاضي في هذه المَسْأَلَة بين من رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ ثم دَخَلَ، وبين من دَخَلَ فيه رَاكِعًا، وكذلك كَلَامُ أحمد والْخِرَقِىِّ، ولا تَفْرِيقَ فيه، والدَّلِيلُ يَقْتَضِى التَّفْرِيقَ، فيُحْمَلُ كَلَامُهم عليه، وقد ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ نحْوًا ممَّا ذَكَرْنا.

فصل: وإن فَعَلَ هذا لِغَيْرِ عُذْرٍ، ولا خَشِىَ الفَوَاتَ، ففيه وَجْهانِ: أحَدُهما، يُجْزِئُه؛ لأنَّه لو لم يُجْزِ مُطْلَقًا لم يُجْزِ حالَ العُذْرِ، كالرَّكْعَةِ كُلِّها. والثاني، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ الأصْلَ أن لا يَجُوزَ؛ لِكَوْنِه يَفُوتُه في الصَّفِّ ما تَفُوتُه الرَّكْعَةُ بِفَوَاتِه، وإنَّما أُبِيحَ لِلمعْذُورِ (٣) لِحَدِيثِ أبى بَكْرَةَ، ففى غيرِه يَبْقَى على (٤) الأصْل.

فصل: إذا أحَسَّ بِدَاخِلٍ، وهو في الرُّكُوعِ، ويُرِيدُ (٥) الصلاةَ معه، وكانت الجماعةُ كَثِيرَةً، كُرِهَ انْتِظارُه؛ لأنَّه يَبْعُدُ أن يكونَ فيهم مَنْ لا يَشُقُّ عليه، وإن كانت الجماعةُ يَسِيرَةً، وكان انْتِظارُه يَشُقُّ عليهم، كُرِه أيضًا؛ لأن الذين معه أعْظَمُ حُرْمَةً من الدَّاخِلِ، فلا يَشُقُّ عليهم لِنَفْعِه، وإن لم يَشُقَّ لِكَوْنه يَسِيرًا، فقد قال أحمدُ: يَنْتَظِرُه ما لم يَشُقَّ على مَن خَلْفَهُ. وهذا مَذْهَبُ أبي مِجْلَزٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وعبدِ الرحمنِ بن أبي لَيْلَى، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ. وقال الأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو حنيفةَ: لا يَنْتَظِرُه؛ لأنَّ انْتِظَارَهُ تَشْرِيكٌ في العِبادة، فلا يُشْرَعُ، كالرِّياءِ. ولَنا، [أنَّه انْتِظارٌ] (٦) يَنْفَعُ ولا يَشُقُّ، فيُشْرَع (٧)، كَتَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ وتَخْفِيفِ الصلاةِ، وقد ثَبَتَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الأُولَى حتى لَا يَسْمَعَ وَقْعَ


(٣) في أ، م: "في المعذور".
(٤) سقط من: ا، م.
(٥) سقطت الواو من: ا، م.
(٦) في أ، م: "أن انتظاره".
(٧) في أ، م: "فشرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>