للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابنِ ثابِتٍ، أنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْخَصَ في العَرَايَا أنْ تُؤْخَذَ بمثل خَرْصِهَا تَمْرًا. وعن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، وقال: "ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ المُزَابَنَةُ". إلَّا أنَّه رَخَّصَ في العَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ والنَّخْلَتَيْنِ، يَأْخُذُها أهْلُ البَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَها رُطَبًا (٢٨). ولأنَّه مَبِيعٌ يَجِبُ فيه مِثلُه تَمْرًا، فلم يَجُزْ بَيْعُه بمِثْلِه رُطَبًا، كالتَّمْرِ الجافِّ. ولأنَّ مَن له رُطَبٌ فهو مُسْتَغْنٍ عن شِراءِ الرُّطَبِ بأَكْلِ ما عنده، وبَيْعُ العَرايا يُشْتَرَطُ فيه حاجَةُ المُشْتَرِى، على ما أسْلَفْناه. وحَدِيثُ ابن عُمَرَ شَكٌّ في الرُّطَبِ والتَّمْرِ، فلا يجوزُ العَمَلُ به مع الشَّكِّ، سِيَّما وهذه الأحَادِيثُ تُبَيِّنُه، وتُزِيلُ الشَّكَّ.

فصل: ويُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرايا التَّقابُضُ في المَجْلِسِ. وهذا قولُ الشَّافِعيِّ، ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا؛ لأنَّه بَيْعُ تَمْرٍ بِتَمْرٍ، فاعْتُبِرَ فيه شُرُوطُه، إلَّا ما اسْتَثْناه الشَّرْعُ ممَّا لا (٢٩) يمكنُ اعْتِبارُه في بَيْعِ العَرايا. والقَبْضُ في كلِّ واحدٍ منهما على حَسبِه، ففى التَّمْرِ اكْتِيالُه أو نَقْلُه، وفى الثَّمَرَةِ التَّخْلِيَةُ. وليس من شُرُوطِه حُضُورُ التَّمْرِ عند النَّخِيلِ، بل لو تَبايَعا بعد مَعْرِفَةِ التَّمْرِ والثَّمَرةِ، ثم مَضَيا جَمِيعًا إلى النَّخْلَةِ، فسَلَّمَها إلى مُشْتَرِيها، ثم مَشَيا إلى التَّمْرِ فتَسَلَّمَهُ من مُشْتَرِيها، أو تَسَلَّمَ التَّمْرَ ثم مَضَيا إلى النَّخْلَةِ جميعا فسَلَّمَها إلى مُشْتَرِيها، أو سَلَّمَ النَّخْلَةَ، ثم مَضَيا إلى التَّمْرِ فتَسَلَّمَهُ، جازَ؛ لأنَّ التَّفَرُّقَ لا يَحْصُلُ قبل القَبْضِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ بَيْعَ العَرِيَّةِ يَقَعُ على وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أنْ يقولَ: بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هذه النَّخْلَةِ بكذا وكذا من التَّمْرِ. ويَصِفُه. والثانى، أنْ يَكيلَ من التَّمْرِ بِقَدْرِ خَرْصِها، ثم يقولَ: بِعْتُكَ هذا بهذا، أو يقولَ: بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هذه النَّخْلَةِ بهذا التَّمْرِ، ونحوَ هذا. وإنْ باعَه بِمُعَيَّنٍ فقَبْضُه بِنَقْلِه وأخْذِه، وإنْ باعَ بمَوْصُوفٍ فقَبْضُه باكْتِيالِه.


(٢٨) تقدم تخريجه في صفحة ١٢١.
(٢٩) في الأصل: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>