للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناسِ، وأشْبَاهِهِمْ. لا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُم، وتُدْفَعُ إليهم أمْوَالُهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإِنَّ الفاسِقَ إن كان يُنْفِقُ مَالَهُ فى المَعاصِى، كشِرَاءِ الخَمْرِ، وآلاتِ اللَّهْوِ، أو يَتَوَصَّلُ به إلى الفَسادِ، فهو غيرُ رَشِيدٍ؛ لِتَبْذِيرِه لِمَالِه، وتَضْيِيعِه إيَّاهُ فى غير فائِدَةٍ. وإن كان فِسْقُه لغير ذلك، كالكَذِبِ، ومَنْعِ الزَّكاةِ، وإضاعَةِ الصَّلاةِ، مع حِفْظِه لِمَالِه، دُفِعَ مَالُه إليه، لأنَّ المَقْصُودَ بالحَجْرِ حِفْظُ المالِ، ومَالُه مَحْفُوظٌ بدُونِ الحَجْرِ، ولذلك لو طَرَأَ الفِسْقُ بعد دَفْعِ مَالِه إليه، لم يُنْزَعْ مِنْهُ (٤).

فصل: وإنَّما يُعْرَفُ رُشْدُه باخْتِبَارهِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (٥). يعنى اخْتَبِرُوهم. كقولِه تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (٦) أى يَخْتَبِرَكم. واخْتِبارُه بِتَفْويِضِ التَّصَرُّفاتِ التى يَتَصَرَّفُ فيها أمْثَالُه إليه (٧)؛ فإنْ كان من أوْلادِ التُّجَّارِ فُوِّضَ إليه البَيْعُ، والشِّرَاءُ، فإذا تَكَرَّرَتْ منه، فلم يُغْبَنْ، ولم يُضَيِّعْ ما فى يَدَيْهِ، فهو رَشِيدٌ. وإن كان من أوْلادِ الدَّهاقِينِ، والكُبَرَاءِ الَّذين يُصَانُ أمْثالُهُم عنِ الأسْوَاقِ، رُفِعَتْ إليه نَفَقَةُ مُدَّةٍ، لِيُنْفِقَها فى مَصَالِحِه، فإن كان قَيِّمًا بذلك، يَصْرِفُها ومَوَاقِعِهَا، ويَسْتَوْفِى على وَكِيلِه، ويَسْتَقْصِى عليه، فهو رَشِيدٌ. والمرأةُ يُفَوَّضُ إليها ما يُفَوَّضُ إلى رَبَّةِ البَيْتِ، من اسْتَئْجَارِ الغَزالَاتِ، وتَوكِيلها فى شِرَاءِ الكَتَّانِ، وأشْبَاهِ ذلك. فإنْ وُجِدَتْ ضَابِطَةً لما فى يَدَيْها، مُسْتَوْفِيَةً من وَكِيلِها، فهى رَشِيدَةٌ. ووَقْتُ الاخْتِبَارِ قبلَ البُلُوغِ، فى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشَّافِعِيِّ، لأنَّ اللَّه تَعالى قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}. فظَاهِرُ الآيَةِ أنَّ ابْتِلاءَهم قبلَ البُلُوغِ، لِوَجْهَيْنِ، أحَدِهما، أنَّه سَمَّاهُمْ يَتَامَى، وإنَّما


(٤) سقط من: أ، ب، م.
(٥) سورة النِّساء ٦.
(٦) سورة الملك ٢.
(٧) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>