للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خِلَافِ فيه بين أصْحَابِنا، ذَكَرَ القاضِى ذلك. ورَوَى الأثْرَمُ، بإسْنادِه عن أبي الزِّنادِ، أنَّه ذَكَرَ (٢) فُقَهاءَ المَدِينَةِ السَّبْعَة، وقال: رُبَّما اخْتَلَفُوا في الشيء، فأخَذْنَا بقَولِ أكْثَرِهم وأفْضَلِهِم رَأْيًا، فكان الذي وَعَيْتُ عنهم على هذه الصِّفَةِ، أنَّ من اكْتَرَى دَابّةً إلى بَلَدٍ، ثم جاوَزَ ذلك إلى بَلَدٍ سِوَاهُ، فإنّ الدَّابةَ إن سَلِمَتْ في ذلك كلِّه، أدَّى كِرَاءهَا وكِرَاءَ ما بعدها، وإن تَلِفَتْ في [تَعَدِّيهِ بها] (٣) ضَمِنَها، وأَدَّى كِرَاءَها الذي تَكَارَاها به. وهذا قولُ الحَكَمِ، وابنِ شُبْرُمةَ، والشّافِعِىِّ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: لا أجْرَ عليه لما زادَ؛ لأنَّ المَنافِعَ عندَهما لا تُضْمَنُ في الغَصْبِ. وحُكِى عن مالكٍ أنَّه إذا تَجَاوَزَ بها إلى مَسَافةٍ بَعِيدَةٍ، يُخَيَّرُ (٤) صَاحِبُها بين أَجْرِ المِثْلِ وبين المُطَالَبةِ بِقِيمَتِها يومَ التَّعَدِّى؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بإمْسَاكِها، حابِسٌ لها عن أسْواقِها، فكان لِصَاحِبِها تَضْمِينُها إيَّاه. ولَنا، أنَّ العَيْنَ باقِيةٌ بحَالِها، يمكن أخْذُها، فلم تَجِبْ قِيمَتُها، كما لو كانت المَسافةُ قَرِيبةً. وما ذَكَرَه تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عليه، ولا نَظِيرَ له، فلا يجوزُ المَصِيرُ إليه. وقد مَضَى الكَلَامُ مع أبى حنيفةَ في الغَصْبِ.

الفصلُ الثانِى: في الضَّمَانِ، ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ وُجُوبُ قِيمَتِها إذا تَلِفَتْ به، سواءٌ تَلِفَتْ في الزِّيَادَةِ، أو بعدَ رَدِّها إلى المَسافةِ، وسواءٌ كان صَاحِبُها مع المُكْتَرِى، أو لم يكُنْ. وهذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الفُقَهاءِ السَّبْعَة، إذا تَلِفَتْ حال التَّعَدِّى؛ لما حَكَيْنا عنهم. وقال القاضي: إن كان المُكْتَرِى نَزَلَ عنها، وسَلَّمَها إلى صَاحِبِها، لِيُمْسِكَها أو يَسْقِيَها، فتَلِفَتْ، فلا ضَمَانَ على المُكْتَرِى، وإن هَلَكَتْ (٥) والمُكْتَرِى راكِبٌ عليها، أو حِمْلُه عليها، فعليه ضَمَانُها. وقال أبو الخَطَّابِ: إن كانت يَدُ صَاحِبِها عليها، احْتَمَلَ أن يَلْزَمَ المُكْتَرِىَ جَمِيعُ قِيمَتِها، واحْتَمَلَ أن يَلْزَمَهُ نِصْفُ قِيمَتِها. وقال


(٢) في ب، م زيادة: "عن".
(٣) في م: "تعديها".
(٤) في الأصل: "خير".
(٥) في ب: "تلفت".

<<  <  ج: ص:  >  >>