للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفارَقَ هذا الطلاقَ، ولأنَّه قولٌ يُمْكِنُ إلْغاؤُه بخلافِ القَتْلِ. فأمَّا إن شَرِبَ أو أكَلَ ما يُزِيلُ عَقْلَه غيرَ الخمرِ، على وَجْهٍ مُحَرَّمٍ، فإن زالَ عَقْلُه بالكُلِّيَّةِ، بحيثُ صار مَجْنُونًا، فلا قِصاصَ عليه، وإن كان يَزُولُ قريبًا ويعودُ من غير تَدَاوٍ، فهو كالسُّكْرِ، على ما فُصِّلَ فيه.

١٤٢٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وإنْ سَفَلَ)

وجملتُه أنَّ الأبَ لا يُقْتَلُ بوَلَدِه، والجَدُّ لا يُقْتَلُ بوَلَدِ وَلَدِه، وإن نَزَلَتْ دَرَجَتُه، وسَواءٌ في ذلك وَلَدُ البَنِينِ أو ولدُ البَناتِ. وممَّن نُقِلَ عنه أنَّ الوالدَ لا يقتلُ بولدِه، عمرُ بن الخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عنه. وبه قال رَبِيعةُ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزَاعيُّ، والشَّافِعيُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْيِ. وقال ابن نافعٍ، وابنُ عبدِ الحَكَمِ، وابنُ المُنْذِر: يُقْتَلُ به؛ لظاهرِ آيِ الكتابِ، والأخبارِ المُوجِبَةِ للقِصاصِ، ولأنَّهما حُرَّانِ مُسلمانِ من أهلِ القِصاصِ، فوَجَبَ أن يُقْتَلَ كلُّ واحدٍ منهما بصاحِبِه، كالأجْنَبِيَّيْنِ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قد رَوَوْا في هذا البابِ (١) أخْبارًا. وقال مالكٌ: إن قَتَله حَذْفًا بالسيفِ ونحوِه، لم يُقْتَلْ به، وإن ذَبَحه، أو قَتَلَه قَتْلًا لا يُشَكُّ في أنَّه عَمَدَ إلى قَتْلِه دُونَ تَأْدِيبِه، أُقِيدَ به. ولَنا، ما رَوَى عمرُ بن الخَطَّابِ، وابنُ عباسٍ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُقْتَلُ وَالِدٌ بوَلَدِه". أخْرَج النَّسائيُّ حديثَ عمرَ (٢)، ورَوَاهما ابنُ ماجه (٣)، وذكرهما ابنُ عبدِ البَرِّ، وقال: هو حديثٌ مشهورٌ عندَ أهلِ العلمِ بالحِجازِ والعراقِ، مُسْتَفِيضٌ عندَهم، يُسْتَغْنَى بشُهْرَتِه وقَبُولِه والعَمَلِ به عن الإِسْنادِ فيه، حتى يكونَ الإِسْنادُ في مثلِه مع شُهْرَتِه تَكَلُّفًا. ولأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أنْتَ ومَالُكَ لأَبِيكَ" (٤). وقَضِيَّةُ هذه


(١) سقط من: م.
(٢) لعله في السنن الكبرى. وأخرج حديث عمر الإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٤٩.
(٣) في: باب لا يقتل الوالد بولده، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٨٨.
وأخرج حديث ابن عباس الترمذي، في: باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا، من أبواب الديات. عارضة الأحوذي ٦/ ١٧٥.
(٤) تقدم تخريجه، في: ٤/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>