للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسافةُ الطَّرِيقِ ذاهِبًا وجائِيًا؛ لأنَّ عُذْرَه في تَرْكِ الطَّلَبِ [ظاهِرٌ، فلم يَحْتَجْ معه إلى الشَّهَادةِ. وقد ذَكَرْنا وَجْهَ قولِ الخِرَقِىِّ. ولا خِلَافَ في أنَّه إذا عَجَزَ عن الإِشْهادِ في سَفَرِه، أنَّ شُفْعَتَه لا تَسْقُطُ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ في تَرْكِه، فأشْبَهَ ما لو تَرَكَ] (٤) الطَّلَبَ لِعُذْرٍ (٥) أو لِعَدَمِ العِلْمِ، ومتى قَدَرَ على الإِشْهادِ فأَخَّرَه، كان كتَأْخِيرِ الطَّلَبِ للشُّفْعةِ، إن كان لِعُذْرٍ لم تَسْقُط الشُّفْعةُ، وإن كان لغير عُذْرٍ سَقَطَتْ؛ لأنَّ الإِشْهادَ قائِمٌ مَقَامَ الطَّلَبِ، ونائِبٌ عنه، فيُعْتَبَرُ له ما يُعْتَبَرُ للطَّلَبِ. ومن لم يَقْدِرْ إلَّا على إشْهَادِ مَن لا تُقْبَلُ شَهَادَتُه، كالصَّبِىِّ والمَرْأةِ والفاسِقِ، فتَرَكَ الإِشْهادَ، لم تَسْقُطْ شُفْعَتُه بِتَرْكِه؛ لأنَّ قولَهم غيرُ مُعْتَبَرٍ، فلم يَلْزَمْ إشْهادُهم كالأطْفالِ والمَجَانِينِ. وإن لم يجِدْ من يُشْهِدُه إلَّا مَن لا يَقْدَمُ معه إلى مَوْضِعِ المُطَالَبةِ، فلم يُشْهِدْ، فالأَوْلَى أنَّ شُفْعَتَه لا تَبْطُلُ؛ لأنَّ إشْهَادَه لا يُفِيدُ، فأشْبَهَ إشْهادَ مَن لا تُقْبَلُ شَهَادَتُه. فإن لم يَجِدْ إلَّا مَسْتُورَىِ الحالِ، فلم يُشْهِدْهُما، احْتَمَلَ أنْ تَبْطُلَ شُفْعَتُه؛ لأنَّ شَهَادَتَهُما يُمْكِنُ إثْباتُها بالتَّزْكِيةِ، فأَشْبَها العَدْلَيْنِ، ويَحْتَمِلُ أن لا تَبْطُلَ؛ لأنَّه يَحْتاجُ في إِثْباتِ شَهَادتِهِما إلى كُلْفَةٍ كَثِيرَةٍ، وقد لا يَقْدِرُ على ذلك، فلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُما، وإن أَشْهَدَهُما لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه، سواءٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهما أو لم تُقْبَلْ؛ لأنَّه لم يُمْكِنْهُ أَكْثَرُ من ذلك، فأَشْبَهَ العاجِزَ عن الإِشْهادِ. وكذلك إن لم يَقْدِرْ إلَّا على إشْهادِ واحدٍ، فأَشْهَدَه، أو تَرَكَ إشْهادَهُ.

فصل: إذا أشْهَدَ على المُطَالَبةِ، ثم أَخَّرَ القُدُومَ مع إمْكانِه، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّ الشُّفْعةَ بِحَالِها. وقال القاضي: تَبْطُلُ شُفْعَتُه. وإن لم يَقْدِرْ على المَسِيرِ (٦)، وقَدَرَ على التَّوْكِيلِ في طَلَبِها، فلم يَفْعَلْ، بَطَلَتْ أيضًا؛ لأنَّه تارِكٌ لِلطَّلَبِ بها مع قُدْرَتِه عليه، فسَقَطَتْ، كالحاضِرِ، أو كما لو لم يُشْهِدْ. وهذا مذهبُ الشّافِعِىِّ، إلَّا أنَّ لهم فيما إذا قَدَرَ على التَّوْكِيلِ فلم يَفْعَلْ وَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، لا تَسْقُطُ شُفْعَتُه؛ لأنَّ له غَرَضًا بأن


(٤) سقط من: ب.
(٥) في م: "لعذره".
(٦) في الأصل: "السير".

<<  <  ج: ص:  >  >>