للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِدَلِيلِ وُجُوبِ الزَّكاةِ فيها دون ما نَقَصَ عنها، ولأنّها قَدْرٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فيه، فلم يَجُزْ بَيْعُه عَرِيَّةً، كالزَّائِدِ عليها. فأمَّا قَوْلُهُم: أَرْخَصَ في العَرِيَّةِ مُطْلَقًا، فلم يَثْبُتْ أنَّ الرُّخْصَةَ المُطْلَقَةَ سابِقَةٌ على الرُّخْصَةِ المُقَيَّدَةِ، ولا مُتَأَخِّرَةٌ عنها، بل الرُّخْصَةُ واحِدَةٌ، رَواها بعضُهم مُطْلَقَةً وبعضُهم مُقَيَّدَةً، فيَجِبُ حَمْلُ المُطْلَقِ على المُقَيَّدِ، ويَصِيرُ القَيْدُ المَذْكُورُ في أحد الحَدِيثَيْنِ كأنَّه مَذْكُورٌ في الآخَرِ، ولذلك يُقَيّدُ فيما زادَ على الخَمْسَةِ، اتِّفاقًا.

فصل: ولا يجوزُ أنْ يَشْتَرِىَ أكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوسُقٍ، فيما زادَ على صَفْقَةٍ، سَواءً اشْتَراها من واحِدٍ أو من جَماعَةٍ. وقال الشَّافِعِىُّ: يجوزُ للإِنْسانِ بَيْعُ جَمِيعِ ثَمَرِ حائِطِه عَرايا، من رَجُلٍ واحِدٍ، ومن رِجالٍ، في عُقُودٍ مُتَكَرِّرَةٍ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ زَيْدٍ وسَهْلٍ، ولأنَّ كلَّ عَقْدٍ جَازَ مَرَّةً، جَازَ أنْ يَتَكَرَّرَ، كسائِرِ البُيوعِ. ولَنا، [أنَّ النَّهْىَ عن المُزابَنَة عامٌّ] (١١)، اسْتَثْنَى منه العَرِيَّةَ فيما دونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، فما زادَ يَبْقَى على العُمُومِ في التَّحْرِيمِ. ولأنَّ ما لا يجوزُ عليه العَقْدُ مَرَّةً إذا كان نَوْعًا واحِدًا، لا يجوزُ في عَقْدَيْنِ، كالذى على وَجْهِ الأرْضِ، وكالجَمْعِ بين الأُخْتَيْنِ، فأمّا حَدِيثُ سَهْلٍ فإنّه مُقَيَّدٌ بالنَّخْلَةِ والنَّخْلَتَيْنِ؛ بِدَلِيلِ ما رَوَيْنا، فيَدُلُّ على تَحْرِيمِ الزِّيادَةِ عليهما (١٢)، ثم إنّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ كما في العَقْدِ الواحِدِ. فأمّا إنْ باعَ رَجُلٌ عَرِيَّتَيْنِ من رَجُلَيْنِ فيهما أكْثَرُ من خَمْسَةِ أوْسُقٍ، جازَ. وقال أبو بكرٍ والقاضِى: لا يجوزُ؛ لما ذَكَرْنا في المُشْتَرِى. ولَنا، أنَّ المُغَلِّبَ في التَّجْوِيزِ حاجَةُ المُشْتَرِى؛ بِدَلِيلِ ما رَوَى مَحْمُودُ بن لَبِيدٍ قال: قلت لِزَيْدِ بن ثابِتٍ: ما عَراياكُم هذه؟ فسَمَّى رِجالًا مُحْتاجِينَ من الأنْصارِ، شَكَوْا إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ الرُّطَبَ يَأْتِى ولا نَقْدَ بأيْدِيهِمْ يَبْتاعُونَ به رُطَبًا يَأْكُلُونَه، وعِنْدَهُم فُضُولٌ من التَّمْرِ، فرَخَّصَ


(١١) في م: "عموم النهى عن المزابنة".
(١٢) في الأصل: "عليها".

<<  <  ج: ص:  >  >>