للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها قلعَ عَيْنِ الأعْورِ، وَالأُخْرَى في الأُخْرَى؛ لأنَّها عَيْنُ أعْوَرَ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ". ولأنَّه قَلَعَ عَيْنَيْنِ، فلم يَلْزَمْه أكْثرُ مِن الدِّيَةِ، كما لو كان القالعُ (٣٢) صَحيحًا، ولأنَّه لم يزِدْ على تَفْويتِ مَنْفعةِ الجِنْسِ، فلم يَزِدْ على الدِّيَة، كما لوْ قطَعَ أُذُنَيْه (٣٣). وما ذكَره القاضي لا يصِحُّ؛ لأنَّ وُجوبَ الدِّيَةِ في إحْدَى عَينيْهِ لا يجعلُ الأخْرَى عَيْنَ أعْوَرَ، على أنَّ وُجوبَ الدِّيةِ بقَلْعِ إحْدَى العيْنَيْنِ قَضِيَّةٌ مُخالِفةٌ للخبَرِ والْقِياسِ، صِرْنا إليها لإِجْماعِ الصَّحابةِ عليها، ففيما عدا مَوْضِعِ الإِجْماعِ، يجبُ العملُ بهما، والبقاءُ عليهما، فإنْ كان قَلَعَهما عَمْدًا، فاخْتارَ القِصَاص، فليس له إلَّا قَلْعُ عَيْنِه؛ لأنَّه أذْهبَ بَصَرَه كُلَّه، فلم يكُنْ له أكثرُ من إذْهابِ بَصَرِه، وهذا مَبْنىٌّ على ما تقدَّم من قَضاءِ الصَّحابةِ أنَّ (٣٤) عيْنَ الأعْورِ تَقومُ مَقامَ العيْنينِ. وأكثرُ أهْلِ العلْم على أنَّ له القِصاصَ من العَيْن، ونصْفَ الدِّيَةِ للعيْنِ الأُخْرَى، وهو مُقْتَضى الدَّليلِ. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإنْ قَطَعَ يَدَ أَقْطَعَ، أوْ رِجْلَ أقْطَعَ الرِّجْلِ، فله نِصفُ الدِّيَةِ، أو القِصَاصُ من مِثْلِها؛ لأنَّه عُضْوٌ أمْكَنَ القِصَاصُ من مِثْلِه، فكانَ الواجبُ فِيه القِصاصُ أو دِيَةُ مثْلِه، كما لو قطعَ أُذُنَ مَن له أُذُنٌ وَاحدةٌ. وعن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ الْأُولَى إنْ كانتْ قُطِعَت ظُلْمًا وأخذَ دِيَتَها، أو قُطِعَتْ قِصاصًا، ففيها نصفُ دِيَتِها، وإنْ قُطِعتْ في سبيلِ اللهِ، ففى (٣٥) الباقيةِ دِيةٌ كاملةٌ؛ لأنَّه عطَّلَ منافِعَه من العُضْويْنِ جُمْلةً، فأشْبَهَ قَلْعَ عَيْنِ الأعْورِ. والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ هذا أحدُ العُضْويْن اللَّذيْنِ تحْصُلُ بهما مَنْفَعةُ الجِنْسِ، لا يقومُ مَقامَ العُضْوين، فلم تَجبْ فيه دِيَةٌ كاملةٌ، كسائرِ الأعضاءِ، وكما لو


(٣٢) في م: "القاطع".
(٣٣) في م: "أذنه".
(٣٤) في م: "ولأن".
(٣٥) في ب، م: "ففيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>