للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّه العِلْمُ بما يُوهَبُ (٢٥) له، كالمُوصَى له. وقال مالِكٌ: تَصِحُّ هِبَةُ المَجْهُولِ؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ، فصَحَّ في المَجْهُولِ، كالنَّذْرِ والوَصِيَّةِ. ووَجْهُ الأوّلِ، أنَّه عَقْدُ تَمْلِيكٍ لا يَصِحُّ تَعْلِيقُه بالشُّرُوطِ، فلم يَصِحَّ في المَجْهُولِ، كالبَيْعِ، بِخِلَافِ (٢٦) النَّذْرِ والوَصِيَّةِ.

فصل: ولا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الهِبَةِ بِشَرْطٍ؛ لأنَّها تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ في الحيَاةِ، فلم يَجُزْ تَعْلِيقُها على شَرْطٍ، كالبَيعِ. فإن عَلَّقَها على شَرْطٍ، كقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُمِّ سَلَمَةَ: "إنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إلَى النَّجَاشِىِّ فَهِىَ لَكِ" (٢٧). كان وَعْدًا. وإن شَرَطَ في الهِبَةِ شُرُوطًا تُنَافِى مُقْتَضَاها، نحو أن يقولَ: وَهَبْتُكَ هذا، بِشَرْطِ أن لا تَهَبَه، أو لا تَبِيعَه، أو بِشَرْطِ أن تَهَبَه أو تَبِيعَه، أو بِشَرْطِ أن تَهَبَ فُلَانًا شيئًا لم تَصِحَّ الشروط، وفى صِحَّةِ الهِبَةِ وَجْهانِ، بناءً على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيْعِ. وإن وَقَّتَ الهِبَةَ، فقال: وَهَبْتُكَ هذا سَنَةً، ثم يَعُودُ إلَىَّ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه عَقْدُ تَمْلِيكٍ لِعَيْنٍ، فلم يَصِحَّ مُؤَقَّتًا، كالبَيْعِ.

فصل: وإن وَهَبَ أمَةً، واسْتَثْنَى ما في بَطْنِها، صَحَّ في قِياسِ قولِ أحمدَ، في مَن أعْتَقَ أمَةً واسْتَثْنَى ما في بَطْنِها؛ لأنَّه تَبَرَّعَ بالأُمِّ دون ما في بَطْنِها، فأشْبَهَ العِتْقَ. وبه يقول في العِتْقِ النَّخَعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: تَصِحُّ الهِبَةُ، ويَبْطُلُ الاسْتِثْناءُ. ولَنا، أنَّه لم يَهَبِ الوَلَدَ، فلم يَمْلِكِ المَوْهُوبَ له، كالمُنْفَصِلِ، وكالمُوصَى به.

فصل: وإذا كان له في ذِمَّةِ إنْسانٍ دَيْنٌ، فوَهَبَه له، أو أبْرَأه منه، أو أحَلَّه منه، صَحَّ، وبَرِئَتْ ذِمَّةُ الغَرِيمِ منه، وإن رَدَّ ذلك، ولم يَقْبَلْه؛ لأنَّه إسْقاطٌ، فلم يَفْتَقِرْ إلى القَبُولِ، كإسْقاطِ القِصَاصِ والشُّفْعةِ وحَدِّ القَذْفِ، وكالعِتْقِ والطَّلَاقِ. وإن قال:


(٢٥) في م: "يوجب".
(٢٦) في الأصل: "وفارق".
(٢٧) تقدم تخريجه في صفحة ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>