للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أو بَيْتِ نارٍ، أو عِمَارَتِهِما، أو الإِنْفَاقِ عليهما، كان باطِلًا. وبهذا قال الشافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: يَصِحُّ. وأجازَ أبو حنيفةَ الوَصِيّةَ بأرْضِه تُبْنَى كَنِيسَةً. وخالَفَه صاحِبَاه. وأجاز أصْحابُ الرَّأْىِ أن يُوصِىَ بشِرَاءِ خَمْرٍ أو خَنَازِيرَ، ويَتَصَدَّقَ بها على أهْلِ الذِّمَّةِ. وهذه وَصَايَا باطِلَةٌ، وأفْعالٌ مُحَرَّمةٌ؛ لأنَّها مَعْصِيَةٌ، فلم تَصِحَّ الوَصِيّةُ بها، كما لو وَصَّى بِعَبْدِه أو أَمَتِه لِلْفُجُورِ. وإن وَصَّى لِكَتْبِ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ، لم تَصِحَّ؛ لأنَّها كُتُبٌ مَنْسُوخةٌ، وفيها تَبْدِيلٌ، والاشْتِغالُ بها غيرُ جائِزٍ، وقد غَضِبَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين رَأى مع عمرَ شيئًا مَكْتُوبًا من التَّوْراةِ (١٧). وذَكَرَ القاضي أنَّه لو أَوْصَى لِحُصُرِ الْبِيَعِ وقَنَادِيلِها، وما شاكَلَ ذلك، ولم يَقْصِدْ إعْظَامَها بذلك، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ لأَهْلِ الذِّمَّةِ، فإنَّ النَّفْعِ يَعُودُ إليهم، والوَصِيَّةُ لهم صَحِيحَةٌ. والصَّحِيحُ أنَّ هذا ممَّا لا تَصِحُّ الوَصِيّةُ به؛ لأنَّ ذلك إنَّما هو إعانَةٌ لهم على مَعْصِيَتِهِم، وتَعْظِيمٌ لِكَنَائِسِهم. ونُقِلَ عن أحمدَ كَلَامٌ يَدُلُّ [على صِحَّةِ] (١٨) الوَصِيَّةِ من الذِّمِّىِّ بخِدْمةِ الكَنِيسَةِ. والأَوَّلُ أَوْلَى وأصَحُّ. وإن وَصَّى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُه المُجْتازُونَ من أهْلِ الذِّمَّةِ وأهْلِ الحَرْبِ، صَحَّ؛ لأنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهم ليس بمَعْصِيَةٍ.

٩٧٣ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أوْصَى لِأَهْلِ قَرْيةٍ، لَمْ يُعْطَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ، إلَّا أنْ يَذْكُرَهُمْ)

يَعْنِى به المُسْلِمَ، إذا أَوْصَى لأَهْلِ قَرْيَتِه أو لِقَرَابَتِهِ بِلَفْظٍ عَامٍّ، يَدْخُلُ فيه مُسْلِمُونَ وكُفَّارٌ، فهى لِلْمُسْلِمِينَ خاصَّةً، ولا شىءَ لِلْكُفَّارِ. وقال الشافِعِيُّ: يَدْخُلُ فيه الكُفّارُ؛ لأنَّ اللَّفْظَ (١) يَتَنَاوَلُهُم بعُمُومِه، ولأنَّ الكافِرَ لو أوْصَى لأَهْلِ قَرْيَتِه


(١٧) أخرجه الدارمي، في: باب ما يتقى من تفسير حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . ., سنن الدارمي ١/ ١١٥، ١١٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٨٧.
(١٨) في م: "لصحة".
(١) في ازيادة: "عام".

<<  <  ج: ص:  >  >>