للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك اخْتِلَافًا. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في عَقْدِ النِّكَاحِ في الإِيجابِ والقَبُولِ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكَّلَ عَمْرَو بن أُمَيَّةَ، وأبَا رَافِعٍ، في قَبُولِ النِّكَاحِ له (٢). ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إليه، فإنَّه ربَّما احْتاجَ إلى التَّزَوُّجِ من مَكانٍ بَعِيدٍ، لا يُمْكِنُه السَّفَرُ إليه، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَزَوَّجَ أمَّ حَبِيبَةَ، وهى يَوْمَئِذٍ بأرْضِ الحَبَشَةِ (٣). ويَجُوزُ التَّوْكِيلُ في الطَّلَاقِ، والخُلْعِ، والرَّجْعَةِ، والعَتَاقِ؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إليه، كدُعَائِها إلى التَّوْكِيلِ في البَيْعِ والنِّكَاحِ. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في تَحْصِيلِ المُبَاحاتِ، كإِحْياءِ المَواتِ، وإسْقَاءِ (٤) الماءِ، والاصْطِيَادِ، والاحْتِشَاشِ؛ لأنَّها تَمَلُّكُ مالٍ بِسَبَبٍ لا يَتَعَيَّنُ عليه، فجازَ التَّوْكِيلُ فيه، كالابْتِياعِ والاتِّهَابِ. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في إثْباتِ القِصَاصِ، وحَدِّ القَذْفِ، واسْتِيفَائِهما، في حَضْرَةِ المُوَكّلِ وغَيْبَتِه؛ لأنَّهما من حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، وتَدْعُو الحاجَةُ إلى التَّوْكِيلِ فيهما، لأنَّ مَن له حَقٌّ قد لا يُحْسِنُ الاسْتِيفاءَ، أو لا يُحِبُّ أن يَتَولَّاهُ بِنَفْسه (٥).

فصل: ويجوزُ التَّوْكِيلُ في مُطَالَبةِ الحُقُوقِ، وإِثْباتِها، والمُحَاكَمَةِ فيها، حاضِرًا كان المُوَكِّلُ أو غائِبًا، صَحِيحًا أو مَرِيضًا. وبه قال مالِكٌ، وابنُ أبي لَيْلَى، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لِلْخَصْمِ أن يَمْنَعَ من مُحَاكَمَةِ الوَكِيلِ إذا كان المُوَكِّلُ حَاضِرًا؛ لأنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الحُكْمِ، ومُخَاصَمَتَهُ حَقٌّ لِخَصْمِه عليه، فلم يكُنْ له نَقْلُه إلى غيرِه بغيرِ رِضَاءِ خَصْمِه، كالدَّيْنِ عليه. ولَنا، أنَّه حَقٌّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فيه، فكان لِصَاحِبِه الاسْتِنَابَةُ بغير رِضَاءِ خَصْمِه، كحالِ غَيْبَتِه ومَرَضِه، وكدَفْعِ المالِ الذي عليه، ولأنَّه إجْماعُ الصَّحَابةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فإنَّ عليًّا، رَضِىَ اللَّه عنه، وَكَّلَ عَقِيلًا عند أبى بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، وقال: ما قُضِىَ له فَلِى، وما قُضِىَ عليه


(٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٩٧.
(٣) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٤٢٧.
(٤) في الأصل: "واستقاء".
(٥) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>