فصل: ولا بأسَ بالخُلْعِ فى الحَيْضِ والطُّهرِ الذى أصابَها فيه؛ لأنَّ المَنْعَ من الطَّلاقِ فى الحَيْضِ من أجل الضَّررِ الذى يلحقُها بطُول العِدَّةِ، والخُلْعُ لإزالةِ الضَّررِ الذى يلْحَقُها بسُوءِ العِشْرَةِ والمُقَامِ مع مَن تكْرهُه وتبْغِضُه، وذلك أعْظَمُ مِن ضَرَرِ طُولِ العِدَّةِ، فجازَ دَفْعُ أعْلاهما بأدْناهما، ولذلك لم يسْألِ النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المُخْتَلِعَةَ عن حالِها، ولأنَّ ضَرَرَ تطويلِ العِدَّةِ عليها، والخُلْعُ يَحصُلُ بسؤالِها، فيكونُ ذلك رضاءً منها به، ودليلًا على رُجْحانِ مَصْلحتِها فيه.
هذا القولُ يدلُّ على صِحَّةِ الخُلْعِ بأكثرَ مِنَ الصَّداقِ، وأنَّهما إذا تَراضَيا على الخُلْعِ بشىءٍ صحَّ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. رُوِىَ ذلك عن عثمانَ، وابنِ عمرَ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، ومُجَاهِدٍ، وقَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، والنَّخَعِىِّ، ومالكٍ، والشَّافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ويُرْوَى عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، أنَّهما قالا: لو اخْتلَعَتِ امرأةٌ من زَوْجِها بميراثِها، وعِقَاصِ رأسِها، كان ذلك جائزًا. وقال عَطاءً، وطاوُسٌ، والزُّهْرِىُّ، وعمرو بنُ شُعَيْبٍ: لا يأخذُ أكثرَ مِمَّا أعطاها. ورُوِىَ ذلك عن علىٍّ (١) بإسنادٍ منقطعٍ. واختارَه أبو بكرٍ، قال: فإنْ فعلَ ردَّ الزِّيادةَ. وعن سعيد بنِ المُسَيَّبِ قال: ما أرى أن يأخُذَ كلَّ مالِها، ولكن لِيَدَعْ لها شيئًا. واحتجُّوا بما رُوِىَ أَنَّ جَمِيلَةَ بنتَ سَلُولٍ، أتَتِ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: واللَّه ما أعِيبُ على ثابتٍ فى دينٍ ولا خُلُقٍ، ولكن أكْرَهُ الكُفْرَ فى الإِسلامِ، لا أطِيقُهُ بُغْضًا. فقال لها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟ " قالت: نعم. فأمرَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذَ منها حديقتَه، ولا يَزْاددَ. رَواه ابنُ
(١) أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب من كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ١٢٣. وعبد الرزاق، فى: باب المفتدية بزيادة على صداقها، من كتاب الطلاق. المصنف ٦/ ٥٠٣. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الخلع، من كتاب الطلاق. السنن ١/ ٣٣٥.