للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ زَمَنَ (٥) الخِيَارِ بمَنْزِلةِ حالةِ العَقْدِ، والتَّغْيِيرُ يَلْحَقُ بالعَقْدِ فيه؛ لأنَّهما على اخْتِيارِهِما فيه، كما لو كان في حالِ العَقْدِ. فأمَّا إذا انْقَضَى الخِيَارُ، وانْبَرمَ العَقْدُ، فَزَادَا أو نَقَصَا، لم يَلْحَقْ بالعَقْدِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ بعده (٦) هِبَةٌ يُعْتَبَرُ لها (٧) شُرُوطُ الهِبَةِ، والنَّقْصُ إِبْراءٌ مُبْتَدأٌ، ولا يَثْبُتُ ذلك في حَقِّ الشَّفِيعِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَثْبُتُ النَّقْصُ في حَقِّ الشَّفِيعِ دون الزِّيادةِ، وإن كانا عنده مُلْحَقانِ (٨) بالعَقْدِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ تَضُرُّ الشَّفِيعَ، فلم يَمْلِكْها (٩)، بخِلَافِ النَّقْصِ، وقال مالكٌ: إن بَقِىَ ما يكونُ ثَمَنًا أخَذَ به، وإن حَطَّ الأكْثَر أخَذَه بجَمِيعِ الثمَنِ الأوَّل. ولَنَا، أنَّ ذلك يُعْتَبَرُ بعد اسْتِقْرارِ العَقْدِ، فلم يَثْبُتْ في حَقِّ الشَّفِيعِ، كالزِّيادةِ، ولأنَّ الشَّفِيعَ اسْتَحَقَّ الأخْذَ بالثَّمنِ الأوَّلِ قبلَ التَّغْيِيرِ، فلم يُؤَثِّرِ التَّغيِيرُ بعدَ ذلك فيه، كالزِّيادةِ. وما ذَكَرُوه من العُذْرِ (١٠) غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ ذلك لو لَحِقَ العَقْدَ لَزِمَ الشَّفِيعَ، وإن أضَرَّ به، كالزِّيَادةِ في مُدَّةِ الخِيَارِ، ولأنَّه حَطٌّ بعدَ لُزُومِ العَقْدِ، فأشْبَهَ حَطَّ الجَمِيعِ أو الأَكْثَرِ عندَ مالِكٍ.

فصل: وإن كان الثَّمنُ ممَّا تَجِبُ قِيمَتُه، فإنَّها تُعْتَبَرُ وقتَ البَيْعِ؛ لأنَّه وَقْتُ الاسْتِحْقاقِ، ولا اعْتِبارَ بعدَ ذلك بالزِّيادةِ والنَّقْصِ. وإن كان فيه خِيَارٌ، اعْتُبِرَتِ القِيمَةُ (١١) حين انْقِضاءِ الخِيَارِ واسْتِقْرَارِ العَقْدِ؛ لأنَّه حين اسْتِحْقاقِ الشُّفْعةِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وحُكِى عن مالكٍ أنَّه يَأْخُذُه بقِيمَتِه يومَ المُحَاكَمةِ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ وقتَ الاسْتِحْقاقِ وقتُ العَقْدِ، وما زادَ بعدَ ذلك حَصَلَ في مِلْكِ البائعِ، فلا يقوم لِلمُشْتَرِى، وما نَقَصَ فمِن مالِ البائعِ، فلا ينْقُصُ به حَقُّ المُشْتَرِى.


(٥) في ب: "نص".
(٦) في ب: "بعد ذلك".
(٧) في الأصل، م: "لهما".
(٨) في ب، م: "يلحقان".
(٩) في ب: "يملكاها".
(١٠) في الأصل: "العقد".
(١١) في ب زيادة: "فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>