للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١١). وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (١٢). ولأنَّه ذَبْحٌ يَتَعَلَّقُ بِالإحْرامِ، فلم يَجُزْ فى غيرِ الحَرَمِ، كدَمِ الطِّيبِ واللِّبَاسِ. قُلْنا: الآيةُ فى حَقِّ غيرِ المُحْصَرِ، ولا يُمْكِنُ قِياسُ المُحْصَرِ عليه؛ لأَنَّ تَحَلُّلَ المُحْصَرِ فى الحِلِّ، وتَحَلُّلَ غيرِه فى الحَرَمِ، فكلٌّ منهما يَنْحَرُ فى مَوْضِعِ تَحَلُّلِهِ. وقِيلَ فى قَوْلِه: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ}. أى حتَّى يُذْبَحَ، وذَبْحُهُ فى حَقِّ المُحْصَرِ فى مَوْضِعِ حِلِّهِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ".

فصل: ومتى كان المُحْصَرُ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ، فله التَّحَلُّلُ ونَحْرُ هَدْيهِ وَقْتَ حَصْرِهِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصْحَابَه زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، حَلُّوا ونَحَرُوا هَدَايَاهُمْ بها (١٣) قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ. وإن كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا، فكذلك فى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأنَّ الحَجَّ أحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَجازَ الحِلُّ منه ونَحْرُ هَدْيِهِ وَقْتَ حَصْرِهِ، كالعُمْرَةِ، ولأنَّ العُمْرَةَ لا تَفُوتُ، وجَمِيعُ الزَّمانِ وَقْتٌ لها، فإذا جَازَ الحِلُّ منها ونَحْرُ هَدْيِهَا من غيرِ خَشْيَةِ فَوَاتِها، فالحَجُّ الذى يُخْشَى فَواتُه أَوْلَى. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لا يَحِلُّ، ولا يَنْحَرُ هَدْيَهُ إلى يَوْمِ النَّحْرِ. نَصَّ عليه فى رِوَايَةِ الأثْرَمِ، وحَنْبَلٍ؛ لأنَّ لِلْهَدْىِ مَحِلَّ زَمَانٍ ومَحِلَّ مَكَانٍ. فإنْ عَجَزَ مَحِلُّ الْمَكَانِ فسَقَطَ، بَقِىَ مَحِلُّ الزَّمَانِ وَاجِبًا لإِمْكَانِه، وإذا لم يَجُزْ له نَحْرُ الهَدْىِ قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لم يَجُز التَّحَلُّلُ؛ لِقَوْلِه سُبْحَانَه: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. وإذا قُلْنَا بِجَوازِ التَّحَلُّلِ قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فالمُسْتَحَبُّ له مع ذلك الإقامَةُ مع إحْرَامِهِ، رَجاءَ زَوَالِ الحَصْرِ، فمتى زَالَ قبلَ تَحَلُّلِه، فعليه المُضِىُّ لإتْمَامِ نُسُكِه، بغير خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. قال ابْنُ المُنْذِرِ: قال كُلُّ مَن أحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ: إنَّ مَن يَئِسَ أن


(١١) سورة البقرة ١٩٦.
(١٢) سورة الحجّ ٣٣.
(١٣) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>