للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهَدْىِ، وهو شَاةٌ، أو سُبْعُ بَدَنَةٍ؛ لِقَوْلِه تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وله نَحْرُهُ فى مَوْضِعِ حَصْرِهِ، من حِلٍّ أو حَرَمٍ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ مَالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، إلَّا أن يكونَ قَادِرًا على أطْرَافِ الحَرَمِ، ففيهِ وَجْهانِ: أحَدُهما، يَلْزَمُه نَحْرُهُ فيه؛ لأنَّ الحَرَمَ كلَّه مَنْحَرٌ، وقد قَدَرَ عليه. والثانى، يَنْحَرُهُ في مَوْضِعِه؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ هَدْيَهُ فى مَوْضِعِه. وعن أحمدَ: ليس لِلْمُحْصَرِ نَحْرُ هَدْيِهِ إلَّا في الحَرَمِ، فَيَبْعَثُهُ، ويُوَاطِئُ رَجُلًا على نَحْرِهِ فى وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فيه. وهذا يُرْوَى عن ابنِ مسعودٍ، في مَنْ لُدِغَ في الطَّرِيقِ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن الحسنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وعَطاءٍ. وهذا، واللَّه أَعْلَمُ، فى مَن كان حَصْرُهُ خَاصًّا، وأمَّا الحَصْرُ العامُّ فلا يَنْبَغِى أن يَقُولَهُ أحَدٌ؛ لأنَّ ذلك يُفْضِى إلى تَعَذُّرِ [الحِلِّ، لِتَعَذُّرِ] (٦) وُصُولِ الهَدْىِ إلى مَحِلِّهِ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصْحَابَهُ نَحَرُوا هَدَايَاهُم في الحُدَيْبِيَةِ، وهى من الحِلِّ. قال البُخارِىُّ: قال مَالِكٌ (٧) وغيرُه: إنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصْحَابَه حَلَقُوا، وحَلُّوا من كل شيْءٍ، قبلَ الطَّوَافِ، وقبلَ أن يَصِلَ الهَدْىُ إلى البَيْتِ. ولم يُذْكَرْ أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَر أحَدًا أن يَقْضِىَ شيئًا، ولا أن يَعُودُوا له. ورُوِىَ (٨) أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ هَدْيَهُ عندَ الشَّجَرَةِ التى كانت تَحْتَها بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ (٩). وهى من الحِلِّ بِاتِّفَاقِ أهْلِ السِّيرَةِ والنقْلِ. قال اللهُ تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (١٠). ولأنَّه مَوْضِعُ حِلِّه، فكان مَوْضِعَ نَحْرِه، كالحَرَمِ، وسائِرُ الهَدَايَا يجوزُ لِلْمُحْصَرِ نَحْرُها فى مَوْضِعِ تَحَلُّلِهِ. فإن قيل: فقد قال اللهُ تعالى: {وَلَا


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) انظر: الموطأ ١/ ٣٦٠.
(٨) فى أ، ب: "ويروى".
(٩) انظر ما أخرجه البيهقى، فى: باب المحصر يذبح حيث أحصر، من كتاب الحجّ. السنن الكبرى ٥/ ٢١٧.
(١٠) سورة الفتح ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>