للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَصْرَه على المجْلِسِ، ولأنَّه جَعَلَ أَمْرَها إليها، فأشْبَهَ أمْرُكِ بيَدك. ولَنا، أنَّه قولُ مَن سَمَّيْنا مِنَ الصَّحابةِ. روَى النَّجَّادُ، بإسنادِه عن سعيد بنِ المُسَيَّبِ، أنَّه قال: قضى عمرُ وعثمانُ، فى الرَّجلِ يُخيِّرُ امراتُه، أَنَّ لها الخِيارَ ما لم يَتَفَرَّقا (٤). وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، قال: ما دامتْ فى مَجْلِسِها. ونحوُه عن ابنِ مسعودٍ، وجابرٍ، ولم نَعرفْ لهم (٥) مُخالِفًا فى الصَّحابةِ، فكان إجْماعًا. ولأنَّه خِيارُ تَمْليكٍ، فكان على الفَوْرِ، كخيارِ القَبُولِ. فأمَّا الخَبَرُ؛ فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلَ لها الخيارَ على التَّراخِى، وخِلافُنا فى المُطْلَقِ. وأمَّا أمْرُكِ بيدِك، فهو توكيلٌ، والتَّوكيلُ يَعُمُّ الزَّمانَ ما لم يُقَيِّدْه بقَيْدٍ، بخلافِ مَسْألتِنا.

فصل: وقولُه: فى وقتِها. أى عَقِيبَ كلامِه، ما لم يَخْرُجا مِنَ الكلامِ الذى كانا فيه إلى غيرِ ذِكْرِ الطَّلاقِ، فإن تَفَرَّقا عن ذلك الكلامِ إلى كلامٍ غيرِه، بَطَلَ خِيَارُها. قال أحمدُ: إذا قال لامرأتِه: اختارى. فلها الخيارُ ما دامُوا فى ذلك الكلامِ، فإن طال المجلسُ، وأخذُوا فى كلامٍ غيرِ ذلك، ولم تَخْتَرْ، فلا خِيَارَ لها. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. ونحوُه مذهبُ الشَّافعىِّ، على اختلافٍ عنه، فقِيلَ عنه: إنَّه يَتَقَيَّدُ بالمجلس. وقِيلَ: هو على الفَوْرِ. وقال أحمدُ أيضًا: الخِيارُ غلى مُخاطَبَةِ الكلامِ أن تُجاوبَه ويُجاوبَها، إنَّما هو جوابُ كلامٍ، إن أجابَتْه مِن ساعتِه، وإلَّا فلا شىءَ. ووَجْهُه أنَّه تَمْليكٌ مُطْلَقٌ، تَأخَّرَ قبولُه عن أوَّلِ حالِ الإِمْكانِ، فلم يَصحَّ، كما لو قامَتْ من مَجْلسِها، فإن قامَ أحدُهما عن المجلس قَبْلَ اخْتيارِها، بَطَلَ خِيَارُها. وقال أبو حنيفةَ: يَبْطُلُ بقيامِها دُونَ قيامِه؛ بِناءً على أصلِه فى أَنَّ الزَّوجَ لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ. وعنْدَنا أنَّه يَمْلِكُ الرُّجوعَ، فبَطَلَ بقيامِه، كما يَبطُلُ بقيامِها. وإن كان أحدُهما قائمًا، فركبَ (٦) أو مَشَى، بَطَلَ الخيارُ، وإن قَعَدَ، لم يَبْطُلْ. والفَرْقُ بين القيامِ والقُعُودِ، أنَّ القيامَ يُبْطِلُ الفِكْرَ والارْتياءَ فى الخيارِ،


= باب فى الخيار، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى ٢/ ١٦٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٣٢٨، ٦/ ٧٨، ١٥٣، ١٦٣، ١٧١، ١٧٣، ٢٠٢، ٢٤٠، ٢٤٨، ٢٦٤.
(٤) فى الأصل: "يفترقا".
(٥) فى ب، م: "لهما".
(٦) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>