للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان ذلك حَرَامًا. وكذلك إن أَقْرَضَهُ صَغِيرًا، قَصدَ أن يُعْطِيَه كَبِيرًا؛ لأنَّ الأَصْلَ تَحْرِيمُ ذلك، وإنَّما أُبِيحَ لِمَشَقَّةِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ منه، فإذا قَصَدَ أو شَرَطَ أو أُفْرِدَتِ الزِّيَادَةُ، فقد أمكن التَّحَرُّزُ منه، فحُرِّمَ بِحُكْمِ الأَصْلِ، كما لو فَعَلَ ذلك فى غيرِه.

فصل: وكلُّ قَرْضٍ شَرَطَ فيه أن يَزِيدَهُ، فهو حَرَامٌ، بغير خِلَافٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعُوا على أن المُسْلِفَ إذا شَرَطَ على المُسْتَسْلِفِ زِيَادَةً أو (١٠) هَدِيَّةً، فأَسْلَفَ على ذلك، أنَّ أخْذَ الزِّيَادَةِ على ذلك رِبًا. وقد رُوِىَ عن أُبَىِّ بن كَعْبٍ، وابنِ عَبّاسٍ، وابنِ مَسْعُودٍ، أنَّهم نَهَوْا عن قَرْضٍ جَرَّ مَنْفعَةً. ولأنَّه عَقْدُ إِرْفَاقٍ وقُرْبَةٍ، فإذا شَرَطَ فيه الزِّيَادَةَ أخْرَجهُ عن مَوْضُوعِهِ. ولا فَرْقَ بين الزِّيَادَةِ فى القَدْرِ أو فى الصِّفَةِ، مثلُ أن يُقْرِضَهُ مُكَسَّرَةً، لِيُعْطِيَهُ صِحَاحًا، أو نَقْدًا، لِيُعْطِيَهُ خَيْرًا منه. وإن شَرَطَ أن يُعْطِيَهُ إيَّاهُ فى بَلَدٍ آخَرَ، وكان لِحَمْلِه مُؤْنَةٌ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه زِيَادَةٌ. وإن لم يكُنْ لِحَمْلِه مُؤْنَةٌ، جَازَ. وحَكَاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن علىٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، والحَسَنِ ابن علىًّ، وابن الزُّبِيْرِ، وابن سِيرِينَ، وعبد الرحمن بن الأَسْوَدِ، وأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىّ، والثَّوْرِىِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ. وكَرِهَهُ الحسنُ البَصْرِىُّ، ومَيْمُونُ ابن أبى شَبِيبٍ (١١)، وعَبْدَةُ بن أبى لُبابَةَ (١٢)، ومالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ؛ لأنَّه قد يكون فى ذَلك زِيَادَةٌ. وقد نَصَّ أحمدُ على أنَّ مَن شَرَطَ أن يَكْتُبَ له بها سُفْتَجَةً (١٣) لم يَجُزْ، ومَعْنَاهُ: اشْتِرَاطُ القَضَاءِ فى بَلَدٍ آخَرَ، ورُوِىَ عنه جَوَازُها؛ لِكَوْنِها مَصْلَحَةً لهما جَمِيعًا. وقال عَطَاءٌ: كان ابن الزُّبَيْرِ لَا يَأْخُذُ من قَوْمٍ


(١٠) فى م: "أم".
(١١) ميمون بن أبى شبيب الربعى، تابعى، وثقه ابن حبان، توفى سنة ثلاث وثمانين. تهذيب التهذيب ١٠/ ٣٨٩.
(١٢) عبدة بن أبى لبابة الأسدى، مولاهم، نزيل دمشق، تابعى، من فقهاء الكوفة. تهذيب التهذيب ٦/ ٤٦١، ٤٦٢.
(١٣) السفتجة: أن يعطى مالا لآخر، وللآخر مال فى بلد المعطِى، فيوفيه إياه ثَمَّ، فيستفيد أمن الطريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>