للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنَافِى مُقْتَضَى العَقْدِ. واحْتَجَّ مَن جَعَلَه عليهما بأنَّه يكونُ بعد تَكَامُلِ الثّمرَةِ، وانْقِضَاءِ المُعَامَلَةِ، فأشْبَه نَقْلَه إلى مَنْزلِه. ولَنا، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَفَعَ خَيْبَر إلى يَهُودَ، على أن يَعْمَلُوها من أمْوالِهِم (٥٠). ولأنَّ هذا من العَمَلِ، فيكونُ عليه، كالتَّشْمِيسِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالتَّشْمِيسِ، ويُفَارِقُ النَّقْلَ إلى المَنْزِلِ، فإنَّه يكونُ بعدَ القِسْمَةِ، وزَوَالِ العَقْدِ، فأشْبَهَ المَخْزَنَ.

فصل: وإن شَرَطَ أن يَعْمَلَ معه غِلْمانُ رَبِّ المالِ، فهو كشَرْطِ عَمَلِ رَبِّ المالِ؛ لأنَّ عَمَلَهُم كعَمَلِه، فإنَّ يَدَ الغُلَامِ كيَدِ مَوْلَاه. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، كما ذَكَرْنا. والثاني، يجوزُ؛ لأنَّ غِلْمَانَه مالُه، فجازَ أن يُجْعَلَ (٥١) تَبَعًا لمالِه، كثَوْرِ الدُّوَلابِ، وكما (٥٢) يجوزُ في القِرَاضِ أن يَدْفَعَ إلى العامِلِ بَهِيمَةً يَحْمِلُ عليها. وأمَّا رَبُّ المالِ لا يجوزُ جَعْلُه تَبَعًا. وهذا قولُ مالِكٍ، والشّافِعِىِّ، ومحمدِ بن الحَسَنِ. فإذا شَرَطَ غِلْمانًا يَعْمَلُون معه، فنَفَقَتُهُم على ما يَشْتَرِطانِ عليه. فإن أطْلَقَا، ولم يَذْكُرَا نَفَقَتَهُم، فهى على رَبِّ المالِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: نَفَقَتُهُم على المُسَاقِى، ولا يَنْبَغِى أن يَشْرُطَها (٥٣) على رَبِّ المالِ؛ لأنَّ العَمَلَ على المُسَاقِى، فمُؤْنَةُ مَن يَعْمَلُه عليه، كَمُؤْنةِ غِلْمانِه. ولَنا، أنَّه مَمْلُوكُ رَبِّ المالِ، فكانت نَفَقَتُه عليه عندَ الإِطْلَاقِ، كما لو أجَرَهُ. فإنْ شَرَطَها على العامِلِ، جازَ، ولا يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُها. وبه قال الشافِعِىُّ. وقال محمدُ بن الحَسَنِ: يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُها؛ لأنَّه اشْتَرَطَ عليه مالا يَلْزَمُه، فوَجَبَ أن يكونَ مَعْلُومًا، كسائِر الشُّرُوطِ. ولَنا، أنَّه لو وَجَبَ تَقْدِيرُها لوَجَبَ ذِكْرُ صِفَاتِها، ولا يَجِبُ ذِكْرُ صِفَاتِها. فلم يَجِبْ تَقْدِيرُها. ولا بُدَّ من مَعْرِفَةِ الغِلْمانِ المُشْترَطِ عَمَلُهُم (٥٤)، بِرُؤْيةٍ، أو صِفَةٍ تَحْصُلُ بها مَعْرِفَتُهُم. كما في عَقْدِ الإِجَارَةِ.


(٥٠) أخرجه البخاري، في باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك، من كتاب الشروط. صحيح البخاري ٣/ ٢٥٢.
(٥١) في م: "تعمل".
(٥٢) في م: "وكان".
(٥٣) في الأصل: "يشترطها".
(٥٤) في الأصل: "عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>