للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وتجبُ بِقَتْلِ الكافِرِ المَضْمُونِ، سواءٌ كان ذِمِّيًّا أو مُسْتَأْمَنًا. وبهذا قال أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ. وقال الحسنُ، ومالكٌ: لا كَفَّارَةَ فيه؛ لقولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. فمَفْهومُه أنْ لا كَفَّارَة في غيرِ المُؤْمِن. ولَنا، قولُه تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٦). والذِّمِّيُّ له ميثاقٌ، وهذا مَنْطوقٌ يُقَدَّمُ على دليلِ الخِطَابِ، ولأنَّه آدَمِيٌّ مقْتولٌ ظُلمًا، فوَجَبتِ الكَفَّارةُ بقَتْلِه، كالمسلمِ.

فصل: وإذا قَتَلَ الصَّبِيُّ والمجنُونُ، وَجَبتِ الكَفَّارةُ في أمْوالِهما، وكذلك الكافِرُ. وبهذا قالَ الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا كَفَّارةَ على واحدٍ منهم؛ لأنَّها عِبادةٌ مَحْضَةٌ، تَجِبُ بالشَّرْعِ، فلا تجبُ على الصَّبِيِّ والمجْنونِ والكافرِ، كالصلاةِ والصِّيامِ. ولَنا، أنَّه حَقٌّ ماليٌّ، يتعلَّقُ بالقتلِ، فتعلَّقَتْ بهم، كالدِّيَةِ. وتُفارِقُ الصَّومَ والصَّلاةَ؛ لأنَّهما عِبادَتان بَدَنِيَّتانِ، وهذه ماليَّةٌ، أَشْبَهتْ نَفَقاتِ الأقاربِ. وأمَّا كَفَّارةُ (٧) اليَمِينِ، فلا تجبُ على الصَّبِيِّ والمجنونِ؛ لأنَّها تتعلَّقُ بالقوْلِ، ولا قَوْلَ لهما، وهذه تتعلَّقُ بالفِعْلِ، وفِعلُهما مُتَحقِّقٌ قد أوجبَ الضَّمانَ عليهما، ويتعلَّقُ بالفعلِ ما لا يتعلَّقُ بالقولِ؛ بدليلِ أنَّ العِتْقَ يتعلَّقُ بإِحْبالِهما دُونَ إعْتاقِهما بقَوْلِهما. وأمَّا الكَافِرُ فتجبُ عليه، وتكونُ عقوبةٌ عليه، كالحُدودِ.

فصل: ومن قَتَلَ في دارِ الحربِ مُسْلِمًا يَعْتقدُه كافرًا، أو رَمَى إلى صفِّ الكُفَّارِ، فأصابَ فيهم مُسْلِمًا فَقَتَلَه، فعليه كَفَّارَةٌ؛ لقولِه تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٦).

فصل: ومَفْهومُ كلامِ الْخِرَقِيِّ، أنَّ كُلَّ قَتْلٍ مُباحٍ لا كَفَّارةَ فيه، كقَتلِ الحَرْبِيِّ، والباغِي، والزَّانِي المُحْصَنِ، والقتلِ قِصاصًا أو حَدًّا؛ لأنَّه قَتْلٌ مأمورٌ به، والكَفَّارَةُ لا


(٦) سورة النساء ٩٢.
(٧) في ب زيادة: "المميز".

<<  <  ج: ص:  >  >>