للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المَنَافِعِ، مَلَكَ إِبَاحَتَهُ إذا لم يَمْنَعْ منه مانِعٌ كالثِّيابِ. ولأنَّها أَعْيَانٌ تجوزُ إِجَارَتُها، فجازَتْ إِعَارَتُها، كالثِّيَابِ. ويجوزُ اسْتِعَارَةُ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ لِيَزِنَ بها، فإن اسْتَعَارَها لِيُنْفِقَها، فهذا قَرْضٌ. وهذا قولُ أصْحَابِ الرَّأْىِ. وقيل: ليس هذا جَائِزًا، ولا تكون العَارِيَّةُ في الدَّنَانِيرِ، وليس له أن يَشْتَرِىَ بها شيئا. ولَنا، أنَّ هذا مَعْنَى القَرْضِ، فانْعَقَدَ القَرْضُ به، كما لو صَرَّحَ به.

فصل: ولا تَجُوزُ إِعَارَةُ العَبْدِ المُسْلِمِ لِكَافِرٍ؛ لأنَّه لا يجوزُ تَمْكِينُه من اسْتِخْدامِه، فلم تَجُزْ إِعَارَتُه لذلك، ولا إِعَارَةُ الصَّيْدِ لِمُحْرِمٍ؛ لأنَّه لا يجوزُ له (٢٦) إِمْسَاكُه، ولا إِعَارَةُ المَرْأَةِ الجَمِيلَةِ لِرَجُلٍ غيرِ مَحْرَمِها، إن كان يَخْلُو بها، أو يَنْظُرُ إليها؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ عليها. وتجوزُ إِعَارَتُها لِامْرَأَةٍ ولذى مَحْرَمِها. ولا تَجُوزُ إعَارَةُ العَيْنِ لِنَفْعٍ مُحَرَّمٍ، كإِعَارَةِ الدّارِ لمن يَشْرَبُ فيها الخَمْرَ، أو يَبِيعُه فيها، أو يَعْصِى اللهَ تعالى فيها، ولا إعارَةُ عَبْدِه للزَّمْرِ، أو لِيَسْقِيَهُ الخَمْرَ، أو يَحْمِلَها له، أو يَعْصِرَها، أو نحو ذلك. ويُكْرَهُ أن يَسْتَعِيرَ وَالِدَيْه لِخِدْمَتِه؛ لأنَّه يُكْرَهُ له اسْتِخْدَامُهُما، فكُرِه اسْتعَارَتُهما لذلك.

فصل: وتجوزُ الإِعَارَةُ مُطْلَقًا ومُقَيَّدًا؛ لأنَّها إِبَاحَةٌ، فجازَ فيها ذلك، كإِباحَةِ الطَّعَامِ. ولأنَّ الجَهَالَةَ إنَّما تُؤَثِّرُ في العُقُودِ اللَّازِمَةِ، فإذا أعَارَهُ شَيْئًا مُطْلَقًا، أُبِيحَ له الانْتِفَاعُ به في كل ما هو مُسْتَعِدٌّ له من الانْتِفَاعِ (٢٧). فإذا أعَارَهُ أَرْضًا مُطْلَقًا، فله أن يَزْرَعَ فيها، ويَغْرِسَ، ويَبْنِىَ، ويَفْعَلَ فيها كلَّ ما هي مُعَدَّةٌ له من الانْتِفَاعِ؛ لأنَّ الإِذْنَ مُطْلَقٌ. وإن أعَارَهُ لِلغِرَاسِ أو لِلْبِنَاءِ، فله أن يَزْرَعَ فيها ما شَاءَ؛ لأنَّ ضَرَرَهُ دون ضَرَرِهما، فكأنَّه اسْتَوْفَى بعضَ ما أَذِنَ له فيه. وإن اسْتَعَارَها لِلزَّرْعِ، لم يَغْرِسْ، ولم يَبْنِ؛ لأنَّ ضَرَرَهما أَكْثَرُ، فلم يكُنِ الإِذْنُ في القَلِيلِ إِذْنًا في الكَثِيرِ. وإن اسْتَعارَها لِلْغِرَاسِ، أو لِلْبِنَاءِ، مَلَكَ المَأْذُونَ فيه منهما دون الآخَرِ؛ لأنَّ ضَرَرَهما مُخْتَلِفٌ. فإنَّ


(٢٦) سقط من: الأصل.
(٢٧) في م زيادة: "به".

<<  <  ج: ص:  >  >>