للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَانَتِ الرَّكْعَةُ والسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً لَهُ" (٢٤). وإنْ صَلَّى بِقَوْمٍ الظُّهْرَ يَظُنُّهَا العَصْرَ. فقال أحمدُ: يُعِيدُ، ويُعِيدُونَ. وهذا على الرِّوَايَةِ التي مَنَعَ فيها ائْتِمَامَ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ. فإنْ ذَكَرَ الإِمامُ وهو في الصلاة، فأتَمَّها عَصْرًا، كانت له نَافِلَةً، وإن قَلَبَ نِيَّتَه إلى الظُّهْرِ، بَطَلَتْ صَلاتُه؛ لما ذَكَرْنَاه مُتَقَدِّمًا. وقال ابنُ حامِدٍ: يُتِمُّها والفَرْضُ باقٍ في ذِمَّتِهِ.

فصل: ولا يَصِحُّ ائْتِمامُ البَالِغِ بالصَّبِىِّ في الفَرْضِ، نَصَّ عليه أحمدُ، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ وابن عَبَّاسٍ. وبه قال عَطَاءٌ، ومُجَاهِدٌ، والشَّعْبِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعِيُّ، وأبو حنيفةَ. وأجازَهُ الحسنُ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. ويَتَخَّرجُ لنا مثلُ ذلك بِنَاءً على إمامَةِ المُتَنَفِّلِ لِلْمُفْتَرِضِ؛ وَوَجْهُ ذلك عُمُومُ قولِه: "يَؤُمُّكُم أَقْرَؤُكُمْ لِكِتابِ اللهِ تَعَالَى" (٢٥). وهذا دَاخِلٌ في عُمُومِهِ. ورَوَى عَمْرُو بنُ سَلَمَةَ الْجَرْمِىُّ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِقَوْمِه: "ليَؤُمَّكُمْ (٢٦) أَقْرَؤُكُمْ". قال: فكنتُ أؤُمُّهُم وأنا ابنُ سَبْعِ سِنِينَ أو ثمَانِ سِنِينَ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، وغيرُه (٢٧). ولأنَّه يُؤذِّنُ لِلرِّجَالِ، فجازَ أن يَؤُمَّهُم كالبَالِغِ. ولنا قَوْلُ ابنِ مسعودٍ وابنِ عَبَّاسٍ، ولأنَّ الإِمامةَ حالُ كَمَالٍ، والصَّبِىُّ ليس مِن أهْلِ الكَمالِ، فلا يَؤُمُّ الرِّجالَ كالمَرْأةِ، ولأنَّه لا يُؤْمَنُ من الصَّبِىِّ الإِخْلالُ بِشَرْطٍ مِن شَرَائِط الصلاةِ أو القِرَاءَةِ حالَ الإِسْرَارِ. فأمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِىِّ (٢٨)، فقال الخَطَّابِىُّ (٢٩): كان أحمدُ يُضَعِّفُ أَمْرَ عَمْرِو بنِ سَلَمَةَ. وقال مَرَّةً: دَعْهُ ليس بشَىْءٍ بَيِّنٍ. وقال أبو دَاوُدَ: قِيلَ لأحمدَ: حَدِيثُ عَمْرِو بنِ سَلَمةَ؟ قال: لا أَدْرِى أَىُّ شَىْءٍ هذا! ولَعَلَّه إنَّما تَوَقَفَ عنه لأنَّه لم يَتَحَقَّقْ بُلُوغَ الأمْرِ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنَّه كان بالبَاديَةِ في حَيٍّ


(٢٤) تقدم في ٢/ ٤٠٨، ٤٢٩.
(٢٥) تقدم في صفحة ١٢.
(٢٦) في أ، م: "يؤمكم".
(٢٧) تقدم في صفحة ١٢.
(٢٨) سقط من: الأصل، أ.
(٢٩) في معالم السنن ١/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>