للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعضِ تَأْخِيرًا كَثِيرًا، فالبَيْعُ جائِزٌ فيما أدْرَكَ، ولا يَجُوزُ في الباقِى. وقال أبو الخَطَّابِ: يجوزُ بَيْعُ ما في البُسْتانِ مِن ذلك الجِنْسِ. وهو الوَجْهُ الثّانِى لأصحابِ الشّافِعِيِّ؛ لأنّ الجِنْسَ الواحِدَ يُضَمُّ بَعْضُه إلى بَعْضٍ في إكمالِ النِّصابِ في الزَّكاةِ، فيَتْبَعُه في جوازِ البَيْعِ، كالنَّوْعِ الواحِدِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ النَّوْعَيْنِ قد يَتَباعَدُ إدراكُهما، فلم يَتْبَعْ أحَدُهما الآخَرَ في بُدُوِّ الصَّلاحِ، كالجِنْسَيْنِ. ويُخالِفُ الزَّكاةَ؛ فإنّ القَصْدَ هو الغِنَى مِن جِنْسِ ذلك المالِ، لِتَقارُبِ مَنْفَعَتِه، وقِيامِ كُلِّ نَوْعٍ مَقامَ النَّوْعِ الآخَرِ في المَقْصُودِ. والمَعْنَى هاهُنا؛ هو تَقارُبُ إدراكِ أحَدِهما مِن الآخَرِ، ودَفْعُ الضَّرَرِ الحاصِلِ بالاشْتِراكِ، واخْتِلافِ الأَيْدِى، ولا يَحْصُلُ ذلك في النَّوْعَيْنِ، فصارَ في هذا كالجِنْسَيْنِ (٥).

فصل: فأمَّا النَّوْعُ الواحِدُ من بُسْتانَيْنِ، فلا يَتْبَعُ أحَدُهما الآخَرَ في جوازِ البَيْعِ حتى يَبْدُوَ الصَّلاحُ في أحَدِهما، مُتَجاوِرَيْنِ كانا أو مُتَباعِدَيْنِ، وهذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وحُكِىَ عن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى؛ أنّ بُدُوَّ الصَّلاحِ في شَجَرَةٍ مِن القَراحِ (٦) صلاحٌ له، ولما قارَبَه. وبهذا قال مالِكٌ؛ لأنَّهما يَتَقارَبانِ (٧) في الصَّلاحِ، فأشْبَها القَراحَ الواحِدَ. ولأنَّ المَقْصُودَ الأمْنُ مِن العاهَةِ، وقد وُجِدَ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأنَّه إنَّما جَعَلَ ما لم يَبْدُ صلاحُه بمَنْزِلَة ما بدا، وتابِعًا له، دَفْعًا لضَرَرِ الاشْتِراكِ، واخْتِلافِ الأيْدِى، وإلَّا فالأصلُ اعْتِبارُ كُلِّ شَىءٍ بِنَفْسِه. وما في قَراحٍ آخَرَ لا يُوجَدُ فيه هذا الضَّرَرُ، فوَجَبَ أنْ لا يَتْبَعَ الآخَرَ، كما لو تَباعَدا. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بما لم يُجاوِرْه مِن ذلك النَّوْعِ. ولو بدا صَلاحُ بعضِ النَّوْعِ الواحِدِ، فأفْرَدَ بالبَيْعِ ما لم يَبْدُ صَلاحُه مِن بَقِيَّةِ النَّوْعِ مِن ذلك البُسْتانِ، لم يَجُزْ؛ لِدُخُولِه تحتَ عُمُومِ النَّهْىِ. ويُقَدَّرُ قِياسهُ على الصُّورَةِ المَخْصُوصَةِ مِن العُمُومِ،


(٥) في م: "كالجنس".
(٦) القَراح مِن الأرَضِين: كل قطعة على حِيالِها من منابت النخل وغير ذلك. لسان العرب (ق ر ح).
(٧) في الأصل: "يتفاوتان".

<<  <  ج: ص:  >  >>