للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالأُولَى، ولكن يُسْتَحَبُّ، فإنْ خَطَبَ جَالِسًا لِعُذْرٍ فَصَلَ بين الخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ، وكذلك إن خَطَبَ قَائِمًا فلم يَجْلِسْ. قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ذَهَبَ مالِكٌ، والعِرَاقِيُّونَ، وسَائِرُ فُقهاءِ الأمْصارِ إلَّا الشَّافِعِيَّ، إلى (١٨) أنَّ الجُلُوسَ بين الخُطْبَتَيْنِ لا شىءَ على مَنْ تَرَكَهُ.

فصل: والسُّنَّةُ أنْ يَخْطُبَ مُتَطَهِّرًا. قال أبو الخَطَّابِ: وعنه أن ذلك من شَرائِطِها، وللشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كالرِّوَايَتَيْنِ. وقد قال أحمدُ، في من خَطَبَ وهو جُنُبٌ، ثم اغْتَسَلَ وصَلَّى بهم: يُجْزِئُه. وهذا إنَّما يكونُ إذا خَطَبَ في غيرِ المَسْجِدِ، أو خَطَبَ في المَسْجِدِ غيرَ عالِمٍ بحالِ نَفْسِهِ، ثم عَلِمَ بعد ذلك، والأشْبَهُ بأُصُولِ المَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ [من الجَنَابَةِ] (١٩)؛ فإنَّ أصْحابَنا قالوا: يُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ آيةٍ فصاعِدًا. وليس ذلك لِلْجُنُبِ، ولأنَّ الْخِرَقِيَّ اشْتَرَطَ لِلأذَانِ الطَّهارَةَ من الجَنابةِ، فالخُطْبَةُ أوْلَى. فأمَّا الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى فلا تُشْتَرَطُ؛ لأنَّه ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصلاةَ، فلم تكنِ الطَّهارةُ فيه شَرْطًا كالأذانِ، لكن يُسْتَحَبُّ أنْ يكونَ مُتَطَهِّرًا من الحَدَثِ والنَّجَسِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصَلِّى عَقِيبَ الخُطْبَةِ، لا يَفْصِلُ بينهما بطَهارَةٍ، فدَلَّ (٢٠) على أنَّه كان مُتَطَهِّرًا، والاقْتِدَاءُ به إن لم يَكُنْ وَاجِبًا فهو سُنَّةٌ. ولأنَّنا اسْتَحْبَبْنَا ذلك للأَذانِ، فالخُطْبَةُ أوْلَى، ولأنَّه لو لم يكنْ مُتَطَهِّرًا احْتاجَ إلى الطَّهارَةِ بين الصلاةِ والخُطْبَةِ، فيَفْصِلُ بينهما، وَرُبَّما طَوَّلَ على الحاضِرِينَ.

فصل: والسُّنَّةُ أن يَتَوَلَّى الصلاةَ مَنْ يَتَوَلَّى الخُطْبَةَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ كان يَتَوَلَّاهُما بِنَفْسِه، وكذلك خُلَفَاؤُهُ من بعدِه. وإن خَطَبَ رَجُلٌ،


(١٨) سقط من: م.
(١٩) سقط من: الأصل.
(٢٠) في أ، م: "فيدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>