للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدَلَها. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْها، وَلْتَكُنْ وَدِيعةً عِنْدَكَ، فَإنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ" (٥). وقال الأَثْرَمُ: قال أحمدُ: أذْهَبُ إلى حَدِيثِ الضَّحّاكِ بن عُثْمانَ. جَوَّدَه، ولم يَرْوِه أحدٌ مثلَ ما رَوَاه: "إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ سَنَةٍ، وقَدْ أَنْفَقَهَا، رَدَّهَا إلَيْهِ" (٦). لأنَّها عَيْنٌ يَلْزَمُ رَدُّها لو كانتْ باقِيةً، فيَلْزَمُه ضَمَانُها إذا أَتْلَفَها، كما قبلَ الحَوْلِ، ولأنَّه مالٌ مَعْصُومٌ، فلم يَجُزْ إسْقاطُ حَقِّه منه مُطْلَقًا، كما لو اضْطُرَّ إلى مالِ غيرِه. وإن وَجَدَ العَيْنَ زائِدةً بعد الحَوْلِ زِيادَةً مُتَّصِلةً، أخَذَها بزِيَادَتِها؛ لأنَّها تَتْبَعُ في الرَّدِّ بالعَيْبِ والإِقَالةِ، فتَبِعَتْ ههُنا. وإن حَدَثَ بعدَ الحَوْلِ لها نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، فهو لِلْمُلْتَقِطِ؛ لأنَّه نَماءُ مِلْكِه مُتَمَيِّزٌ لا يَتْبَعُ في الفُسُوخِ، فكان له، كَنَماءِ المَبِيعِ إذا رُدَّ بِعَيْبٍ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ فيه وَجْهًا آخَرَ، بِنَاءً على المُفْلِسِ إذا اسْتُرْجِعَتْ منه العَيْنُ بعدَ أن زادَتْ زِيادَةً مُتَمَيِّزةً، والوَلَدِ إذا اسْتَرْجَعَ أَبُوه ما وَهَبَه (٧) له بعد زِيَادَتِه. والصَّحِيحُ أنَّ الزِّيادَةَ لِلْمُلْتَقِطِ؛ لما ذَكَرْناه. وكذلك الصَّحِيحُ في المَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرهم (٨) أنَّ الزِّيادَةَ لمن حَدَثَتْ في مِلكِه. ثم الفَرْقُ بينهما أنَّه في مَسْأَلَتِنا يَضْمَنُ النَّقْصَ، فتكونُ له الزِّيادَةُ، ليكونَ الخَرَاجُ بالضَّمَانِ، وثَمَّ لا ضَمَانَ عليه، فأمْكَنَ أن لا يكونَ الخَرَاجُ له. واللهُ أعلمُ. ومتى اخْتَلَفا في القِيمَةِ أو المِثْلِ، فالقولُ قولُ المُلْتَقِطِ مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ بَرَاءةُ ذِمَّتِه ممَّا حَلَفَ عليه.

فصل: وإن وَجَدَ العَيْنَ بعد خُرُوجِها من مِلْكِ المُلْتَقِطِ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو نحوِهِما، لم يكُنْ له الرُّجُوعُ فيها، وله أخْذُ بَدَلِها؛ لأنَّ تَصَرُّفَ المُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لكَوْنِها صارَتْ في مِلْكِه. وإن صَادَفَها قد رَجَعَتْ إلى المُلْتَقِطِ بِفَسْخٍ أو شِرَاءٍ أو غيرِ ذلك، فله أخْذُها؛ لأنَّه وَجَدَ عَيْنَ مالِه في يَدِ مُلْتَقِطِه، فكان له أخْذُه، كالزَّوْجِ إذا طَلَّقَ


(٥) تقدم تخريجه في صفحة ٢٩٠.
(٦) أخرجه البيهقي، في: باب اللقطة يأكلها الغنى والفقير، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى ٦/ ١٨٦.
(٧) في م: "وهب".
(٨) كذا على الجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>