للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكاحِ، واسْتِبْقاؤُه ههُنا واجِبٌ؛ بدليلِ تحْريمِ الطَّلاقِ، ولأنَّ الرَّجعةَ إمْساكٌ للزَّوجةِ، بدليلِ قولِه تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (١٧). فوَجَبَ ذلك، كإمْساكِها قبلَ الطَّلاقِ. وقال مالكٌ، وداودُ: يُجْبَرُ على رَجْعتِها. قال أصحابُ مالكٍ: يُجْبَرُ على رَجْعتِها ما دامتْ فى العِدَّةِ. إلَّا أشْهَبَ، قال: ما لم تَطهُرْ، ثم تَحِيضُ، ثم تَطهُرُ؛ لأنَّه لا يَجبُ عليه إمْساكُها فى تلك الحالِ، فلا يَجبُ عليه رَجْعتُها فيه. ولَنا، أنَّه طلاقٌ لا يَرْتفعُ بالرَّجْعةِ، فلم تَجبْ عليه الرَّجعةُ فيه، كالطَّلاقِ فى طُهْرٍ مَسَّها فيه، فإنَّهم أجْمعُوا على أنَّ الرَّجعةَ لا تَجبُ. حكاه ابنُ عبدِ البَرِّ عن جميعِ العلماءِ. وما ذكروه مِنَ المعنى ينْتقِضُ بهذه الصُّورةِ. وأما الأمرُ بالرَّجعةِ فمحمولٌ على الاستحبابِ؛ لما ذكَرْنا.

فصل: فإن راجعَها، وجبَ إمْساكُها حتى تَطهُرَ، واستُحِبَّ إمْساكُها حتى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى ثم تَطهُرَ، على ما أمرَ به النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى حديث ابنِ (١٨) عمرَ الذى روَيْناه. قال ابنُ عبدِ البرِّ: ذلك مِن وُجوهٍ عندَ أهلِ العلمِ؛ منها، أن الرَّجعةَ لا تَكادُ تُعلَمُ صِحَّتُها إلا بالوَطْءِ؛ لأنَّه المُبْتَغَى (١٩) مِنَ النِّكاحِ، ولا يحصُلُ الوَطْءُ إلَّا فى الطُّهْرِ، فإذا وَطِئَها حَرُمَ طلاقُها فيه حتى تَحِيضَ ثم تَطْهُرَ، واعتبرْنا مَظِنَّةَ الوَطْءِ ومَحَلَّه لا حقيقَتَه، ومنها أنّ الطَّلاقَ كُرِهَ فى الحيض لتَطْويلِ العِدَّةِ، فلو طلَّقَها عَقِيبَ الرَّجعةِ مِنْ غيرِ وَطْءٍ، كانت فى معنى المُطلَّقَةِ قبلَ الدُّخولِ، وكانت تَبْنِى على عِدَّتِها، فأرادَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَطْعَ حُكْمِ الطَّلاقِ بالوَطْءِ، واعتبرَ الطُّهْرَ الذى هو موضعُ الوَطْءِ، فإذا وَطئَ حَرُمَ طَلاقُها حتى تَحِيضَ ثم تَطهُرَ، وقد جاء فى حديثٍ عن ابنِ عمرَ، أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ مَسَّهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ أُخْرَى، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا". رَوَاه ابنُ عبدِ البَرِّ. ومنها، أنَّه عُوقِبَ على إيقَاعِه فى الوقتِ المُحَرَّمِ بِمَنْعِه منه فى الوقتِ الذى يُباحُ له. وذكَر غيرَ هذا. فإن طلَّقَها فى الطُّهْرِ


(١٧) سورة البقرة ٢٣١.
(١٨) سقط من: ب، م.
(١٩) فى ب، م: "المبغى".

<<  <  ج: ص:  >  >>