للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخرِ كُلِّ حَوْلٍ، فلم يَجِبْ (٣٠) بأوَّلِه، كالزَّكاةِ والدِّيَةِ، وأمَّا الآيةُ، فالمرادُ بها الْتزامُ إعْطائِها، دونَ نَفْسِ الإِعْطاءِ، ولهذا يَحْرُمُ قِتالُهم بمُجَرَّدِ بَذْلِها قَبْلَ أخْذِها.

فصل: وتُؤْخَذُ الجِزْيَةُ ممَّا يُسِّرَ من أمْوالِهم، ولا يتَعيَّنُ أخْذُها من ذهبٍ ولا فِضَّةٍ. نَصَّ عليه أحمد. وهو قولُ الشافِعىّ، وأبى عُبَيْدٍ، وغيرِهم؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا بَعَثَ مُعاذًا إلى اليمن، أمرَه أَنْ يأْخُذَ من كلِّ حالمٍ دينارًا، أو عِدْلَه مَعَافِرَ. وكان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يأْخُذُ من نَصارَى نَجْرانَ ألْفَىْ حُلَّةٍ. وكان عمرُ يُؤْتَى بنَعَمٍ كثيرةٍ، يأخذُها من الجِزْيَةِ. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه كان يأخُذُ الْجِزْيَةَ من كلِّ ذى صَنْعَةٍ من مَتاعِه، من صاحبِ الإِبَرِ إبَرًا، ومن صاحِبِ المَسالِّ مَسالًّا، ومن صاحِبِ الحِبالِ حِبالًا، ثم يدْعُو الناسَ فيُعْطِيهم الذَّهبَ والفِضَّةَ فيقْتَسِمُونَه (٣١)، ثم يقول: خُذُوا فاقْتَسِمُوا. فيقولون: لا حاجَةَ لنا فيه. فيقول: أخَذْتُم خِيَارَه، وترَكْتُم شِرارَه، لتَحْمِلُنَّه (٣٢). وإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُؤْخَذُ بالْقِيمَةِ؛ لقوله عليه السلام: "أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ".

فصل: ولا يَصِحُّ عَقْدُ الذِّمَّةِ والهُدْنَةِ إلَّا من الإِمامِ أو نائِبِه. وبهذا قال الشافِعىُّ، ولا نعلَمُ فيه خلافًا؛ لأنَّ ذلك يتعَلَّقُ بنظَرِ الإِمامِ وما يَراه من المَصْلَحَةِ، ولأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدٌ مُؤبَّدٌ، فلم يجُزْ أَنْ يُفْتاتَ به على الإِمامِ. فإنْ فَعَلَه غيرُ الإِمامِ أو نائِبِه، لم يَصِحَّ، لكنْ إنْ عَقَدَه (٣٣) على ما لا يَجوزُ أَنْ يُطْلَبَ فهم أكثرُ منه، لَزِمَ الإِمامَ إجابَتُهم إليه، وعَقْدُها عليه.

فصل: ويجوزُ أنْ يُشْرَطَ (٣٤) عليهم فى عَقْدِ الذِّمَّةِ ضِيافَةُ مَنْ يَمُرُّ بهم من المسلمين؛ لما رَوَى الإِمامُ أحمدُ، بإِسْناده عن الأَحْنَفِ بن قَيْس، أن عمرَ شَرَطَ [على أهلِ الذِّمَّة] (٣٥)


(٣٠) فى أ: "يوجب".
(٣١) فى ب: "فيقسمونه".
(٣٢) أخرجه أبو عبيد، فى: باب اجتباء الجزية والخراج، من كتاب سنن الفىء والخمس والصدقة. . . الأموال ٤٤، ٤٥.
(٣٣) فى أ: "عقدها".
(٣٤) فى أ، ب: "يشترط".
(٣٥) فى م: "عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>