للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحمٍ، وليست أُضْحِيَةً، وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يُسَلِّمُها إلى الفُقَراءِ، ولا يَذْبَحُها، فإنْ ذَبَحَها فرَّق لَحْمَها، وعليه أرشُ ما نَقَصَها الذَّبْحُ؛ لأنّ الذَّبْحَ قد سَقَطَ بفَواتِ وَقْتِه. ولَنا، أن الذَّبْحَ أحدُ مَقْصُودَى الأُضْحِيَةِ، فلا يسْقُطُ بفَواتِ وَقْتِه كتَفْرِقَةِ اللَّحمِ، وذلك أنَّه لو ذَبَحَها فى الأيَّامِ، ثم خَرَجَتْ قبلَ تَفْرِيقها، فرقَها بعدَ ذلك. ويُفارقُ الوُقُوف والرَّمْىَ، ولأنَّ الأضْحِيَةَ لا تسْقُطُ بفَواتِها، بخلافِ ذلك.

فصل: وإذا وَجَبَت الأُضْحِيَةُ بإيجابِه لها، فضَلَّتْ أو سُرِقَت بغيرِ تَفْرِيطٍ منه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّها أمانَةٌ فى يدِه، فإنْ عادَتْ إليه ذَبَحَها، سواءٌ كان فى زَمَنِ الذّبْحِ، أو فيما بعد، على ما ذَكَرْناه.

١٧٦٤ - مسألة؛ قَال: (فَإِنْ ذَبَحَ قبلَ ذَلِك لَمْ يُجْزِئْهُ، ولَزِمَهُ الْبَدلُ)

وذلك لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى" (١). ولأنها نَسِيكةٌ واجِبَةٌ، ذَبَحَها قبلَ وَقْتِها، فَلَزِمَه بدلُها، كالهَدْى إذا ذَبَحَه قبلَ مَحِلِّه. ويَجِبُ أَنْ يكونَ بَدَلُها مثلَها أو خيرًا منها؛ لأنَّ ذَبْحَها قبلَ مَحِلِّها إتلافٌ لها. وكلامُ الخِرَقِىِّ، [ومَنْ أطْلَقَ من أصحابِنا] (٢)، محمولٌ على الأُضْحِيَةِ الواجِبَةِ بنَذْرٍ أو تَعْيِينٍ، فإنْ كانَتْ غيرَ واجبَةٍ بواحِدٍ من الأمرَيْنِ، فهى شاةُ لَحْمٍ، ولا بدَلَ عليه، إلا أَنْ يشاءَ؛ لأنَّه قَصَدَ التَّطَوُّعَ فأفْسَدَه، فلم يجبْ عليه بَدَلُه، كما لو خرجَ بصدَقَةِ تَطَوُّع فَدَفَعها إلى غيرِ مُسْتَحِقِّها، والحديثُ يُحْمَلُ على أحَدِ أَمْرَيْن؛ إمَّا النَّدْبِ، وإمَّا على التَّخْصِيص بمَنْ وَجَبَت عليه؛ بدَلِيلِ ما ذَكَرْنا. فأمَّا الشَّاةُ المَذْبوحَةُ، فهى شاةُ لحمٍ، كما وصَفَها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١)، ومَعْناه يصْنَعُ بها ما شاءَ، كشاةٍ ذَبَحَها لِلَحْمِهَا، لا لغيرِ ذلك، فإنَّ هذه إنْ كانت واجبةً، فقد لَزِمَهُ إبْدَالُها، وذَبْحُ ما يقومُ مَقامَها، فخرَجت هذه عن كَوْنِها واجِبَةً، كالهَدْى الواجب إذا عَطِبَ دُون مَحِلِّه، وإِنْ كان تَطَوُّعًا، فقد أَخْرَجَها بذَبْحِه


(١) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٨٥.
(٢) سقط من: الأصل، أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>