للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْسِه، كما لو قال رَجُلٌ لعبدٍ فى يَد غيره: هذا حُرٌّ. وأَنْكَرَ ذلك مَن العبدُ فى يَدِه، لم يُقْبَلْ قولُه عليه، فإِنَّ انْتَقَلَ إليه بسَبَبٍ مِن الأسْبابِ، لَزِمَتْه حُرِّيَّتُه. وإن أَبْرَأهُ من مالِ الكِتابةِ (١٣)، لم يَلْزَمْه قَبْضُه؛ لأَنَّه لم يَبْقَ له عليه حَقٌّ. وإن لم يُبْرِئْه ولم يَقْبِضْه، كان له دَفْعُ ذلك إلى الحاكِم، ويُطالِبُه بقَبْضِه، فيَنُوبُ الحاكمُ فى قَبْضِه عنه، وَيعْتِقُ العبدُ، كما رَوَيْناه عن عمرَ وعثمانَ، فى قَبْضِهِما مالَ الكِتابةِ حين امْتَنَعَ المُكاتِبُ من قَبْضِه.

فصل: وإذا كاتَبه على جِنْسٍ، لم يَلْزَمْه قَبْضُ غيرِه، فلو كاتَبه على دنَانِيرَ، لم يَلْزَمْه قَبْضُ دَراهِمَ، ولا عَرْضٍ، وإن كاتَبه على دَرَاهِم، لم يَلْزَمْه أخْذُ الدَّنانيرِ، ولا العُرُوضِ. وإِنْ كاتَبَه على عَرْضٍ مَوْصُوفٍ، لم يَلْزَمْه قَبْضُ غيرِه. وإِنْ كاتَبه على نَقْدٍ، فأعْطاهُ مِن جِنْسِه خيرًا منه، وكان يَنْفُقُ فيما يَنْفُقُ فيه الذى كاتَبه جمليه، لَزِمَه أخْذُه؛ لأَنَّه زادَه خيرًا، وإن كان لا يَنْفُقُ فى بعضِ البُلْدانِ التى يَنْفُقُ فيها ما كاتَبَه عليه، لم يَلْزَمْه قَبُولُه؛ لأنَّ عليه فيه ضَرَرًا.

الفصل الثانى: إذا مَلَكَ ما يُؤَدِّى، فالصحيحُ أنَّه لا يَعْتِقُ حتَّى يُؤَدِّىَ. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وابنِه، وزَيْدٍ، وعائشةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فإنَّهم قالوا: المُكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِىَ عليه دِرْهَمٌ (١٤). وهو قولُ أكثر أهلِ العلمِ، وعن أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه إذا مَلَكَ ما يُؤَدِّى، عَتَقَ؛ لما رَوَى سعيدٌ، قال (١٥): حدَّثنا سفيانُ، عن الزُّهْرِىِّ، عن نَبْهانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمةَ، عن أُمِّ سَلَمةَ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إِذَا كَانَ لإحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤْدِّى، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ". ورَوَاه أبو داودَ، وابنُ ماجَه، والتِّرمِذِىُّ (١٦). وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. فأمَرَهُنَّ بالحِجابِ بمُجَرَّدِ مِلْكِه لما يُؤدِّيه، ولأنَّه مالِكٌ لِوَفَاءِ مالِ الكِتابةِ، أشْبَهَ ما لو أدَّاهُ. فعلى هذه الرِّوايةِ، يَصِيرُ حُرًّا بمِلْكِ الوَفاءِ، فمتى امْتَنَعَ منه، أجْبَرَه الحاكمُ عليه. وإن هَلَكَ ما فى يَدَيْه (١٧) قبلَ


(١٣) فى م زيادة: "حين امتنع المكاتِب من قبضه".
(١٤) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٤٥٢.
(١٥) سقط من: الأصل، أ، ب.
(١٦) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ١٢٥.
(١٧) فى الأصل: "يده".

<<  <  ج: ص:  >  >>