للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالنَّذْرِ. وهكذا كلُّ مَجْهُولٍ لا يَمْنَعُ مَقْصُودَ الكَفَالَةِ. وقد رَوَىَ مُهَنَّا عن أحمدَ، في رَجُلٍ كَفَلَ رَجُلًا (٢٣)، فقال: إن جِئْتُ به في وَقْتِ كذا، وإلَّا فما عليه عَلَىَّ. فقال: لا أَدْرِى، ولكنْ إن قال: سَاعَةَ كذا. لَزِمَهُ. فنَصَّ على تَعْيِينِ السَّاعَةِ وتَوَقَّفَ عن (٢٤) تَعْيِينِ الوَقْتِ، ولعلَّه أرَادَ وَقْتًا مُتَّسِعًا، أو وَقْتَ شيءٍ يَحْدُثُ، مثل وَقْتِ الحَصَادِ ونحوه. فأمَّا إن قال: وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ونحو ذلك، صَحَّ. وإن قال: إلى الغَدِ أو إلى (٢٥) شَهْرِ كذا. تعلَّق بأوَّلِه، على ما ذَكَرْنَا في السَّلَمِ.

فصل: وإذا تَكَفَّلَ بِرَجُلٍ إلى أجَلٍ، إن جَاءَ به فيه، وإلَّا لَزِمَهُ ما عليه، صَحَّ. وبه قال أبو حنيفةَ وأبو يوسفَ: وقال محمدُ بن الحَسَنِ والشَّافِعِىُّ: لا تَصِحُّ الكَفَالَةُ، ولا يَلْزَمُه ما عليه؛ لأنَّ هذا تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِخَطَرٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو عَلَّقَهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ. ولَنا، أنَّ هذا مُوجِبُ الكَفالةِ ومُقْتَضَاهَا، فصَحَّ اشْتِرَاطُه، كما لو قال: إن جِئتُ به في وَقْتِ كذا، وإلَّا فلَكَ حَبْسِى. ومَبْنَى الخِلَافِ ههُنا على الخِلَافِ في أنَّ هذا مُقْتَضَى الكَفَالَةِ، وقد دَلَّلْنَا عليه. وأمَّا إن قال: إن جِئْتُ به في (٢٦) وَقْتِ كذا، وإلَّا فأنا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ، أو فأنا ضَامِنٌ لك مالَكَ على فُلَانٍ. أو قال: إذا جَاءَ زَيْدٌ فأنا ضَامِنٌ لك ما عليه. أو إذا قَدِمَ الحَاجُّ فأنا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ. أو قال: أنا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ شَهْرًا. فقال القاضي: لا تَصِحُّ الكَفَالَةُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ ومُحمدِ بن الحَسَنِ؛ لأنَّ ذلك خَطَرٌ، فلم يَجُزْ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ والكَفَالَةِ به، كمَجِىءِ المَطَرِ وهُبُوبِ الرِّيحِ، ولأنَّه إِثْبَاتُ حَقٍّ لآدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، فلم يَجُزْ تَعْلِيقُه على شَرْطٍ، ولا تَوْقِيتُه، كالهِبَةِ. وقال الشَّرِيفُ أبو جعفرٍ، وأبو الخَطَّابِ: تَصِحُّ، وهو قولُ أبى حنيفةَ وأبى يوسفَ؛ لأنَّه أضَافَ الضَّمانَ إلى سَبَبِ الوُجُودِ، فيَجِبُ أن يَصِحَّ، كضَمَانِ الدَّرَكِ. والأَوَّلُ


(٢٣) في م زيادة: "آخر".
(٢٤) في الأصل: "على".
(٢٥) سقط من: الأصل، م.
(٢٦) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>