للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّه لا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فيه، ثم هو مُطْلَقٌ وحَدِيثُنا يُقَيِّدُه، وفيه زِيَادَةٌ، والزِّيَادَةُ من الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وتُفَارِقُ حَالَةُ الحَيَاةِ حَالَ المَوْتِ لأَمْرَيْنِ؛ أحَدِهما، أنَّ المِلْكَ فى الحَيَاةِ لِلْمُفْلِسِ، وهاهُنا لغيرِه. والثانى، أنَّ ذِمَّةَ المُفْلِسِ خَرِبَتْ هاهُنا خَرَابًا لا يَعُودُ، فاخْتِصَاصُ هذا بالعَيْنِ يَسْتَضِرُّ به الغُرمَاءُ كَثِيرًا، بِخِلَافِ حَالَةِ الحَيَاةِ.

٨٠٩ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أرَادَ سَفَرًا وَعَلَيْهِ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِهِ، فَلِصَاحِبِ الحَقِّ مَنْعُهُ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن عليه دَيْنٌ إذا أرَادَ السَّفَرَ، وأرَادَ غَرِيمُه مَنْعَهُ، نَظَرْنَا؛ فإن كان مَحَلُّ الدَّيْنِ قبلَ مَحَلِّ قُدُومِه من السَّفَرِ، مثل أن يكونَ سَفَرُه إلى الحَجِّ لا يَقْدَمُ إلَّا فى صَفَر، ودَيْنُه يَحِلُّ فى المُحَرَّمِ أو ذِى الحجَّةِ، فله مَنْعُه من السَّفَرِ؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا فى تَأْخِيرِ حَقِّه عن مَحَلِّهِ. فإن أَقامَ ضَمِينًا مَلِيئًا، أو دَفَعَ رَهْنًا يَفى بالدَّيْنِ عندَ المَحَلِّ، فله السَّفَرُ؛ لأنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بذلك. وأمَّا إن كان الدَّيْنُ (١) لا يَحِلُّ إلَّا بعدَ مَحَلِّ السَّفَرِ، مثل أن يكونَ مَحَلُّه فى رَبِيعٍ، وقُدُومُه فى صَفَر، نَظَرْنا؛ فإن كان سَفَرُه إلى الجِهَادِ، فله مَنْعُه إلَّا بِضَمِينٍ أو رَهْنٍ؛ لأنه سَفَرٌ يَتَعَرَّضُ فيه للشَّهَادَةِ، وذَهَابِ النَّفْسِ، فلا يَأْمَنُ فَوَاتَ الحَقِّ. وإن كان السَّفَرُ لغير الجهَادِ فظاهِرُ كلام الخِرَقِىِّ أنَّه ليس له مَنْعُه، وهو إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ؛ لأنَّ هذا السَّفَرَ ليس بأَمَارَةٍ على مَنْعِ الحَقِّ فى مَحَلِّه، فلم يَمْلِكْ مَنْعَه منه، كالسَّفَرِ القَصِيرِ، وكالسَّعْىِ إلى الجُمُعَةِ. وقال الشَّافِعِىُّ: ليس له مَنْعُه من السَّفَرِ، ولا المُطَالَبَةُ بِكَفِيلٍ إذا كان الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا بحالٍ، سواءٌ كان الدَّيْنُ يَحِلُّ قبلَ مَحَلِّ سَفَرِه [أو بعدَه] (٢)، أو (٣) إلى الجِهَادِ أو إلى (٤) غيرِه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ المُطَالَبَةَ بالدَّيْنِ، فلم يَمْلِكْ مَنْعَهُ


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: الأصل، أ.
(٣) فى الأصل، أ: "أولا".
(٤) فى الأصل: "وإلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>