للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٤٣ - مسألة؛ قال: (أوْ مثْلُهَا إنْ كَانَتْ قَدِ اسْتُهْلِكَتْ)

وجملةُ ذلك أنَّ اللُّقَطَةَ في الحَوْلِ أمانَةٌ في يَدِ المُلْتَقِطِ، إن تلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطِه أو نَقَصَتْ، فلا ضَمَانَ عليه، كالوَدِيعَةِ. ومتى جاءَ صاحِبُها، فوَجَدَها أخَذَها بزِيَادَتِها المُتَّصِلَةِ والمُنْفَصِلَةِ؛ لأنَّها نَماءُ مِلكِه. وإن أَتْلَفَها المُلتَقِطُ، أو تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِه، ضَمِنَها بمِثْلِها إن كانت من ذَوَاتِ الأمْثالِ، وبِقيمَتِها إن لم يكُنْ لها مِثْلٌ. لا أعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وإن تَلِفَتْ بعد الحَوْلِ، ثَبَتَ في ذِمَّتِه مِثْلُها أو قِيمَتُها بكلِّ حالٍ؛ لأنَّها دَخَلَتْ في مِلكِه، وتَلِفَتْ من مالِه، وسواءٌ فَرَّطَ في حِفْظِها أولم يُفَرِّطْ. وإن وَجَدَ العَيْنَ ناقِصَةً، وكان نَقْصُها بعدَ الحَوْلِ، أخَذَ العَيْنَ وأَرْشَ نَقْصِها؛ لأنَّ جَمِيعَها مَضْمُونٌ إذا تَلِفَتْ، فكذلك إذا نَقَصَتْ. وهذا قولُ أكْثَر الفُقَهاءِ (١) الذين حَكَمُوا بمِلْكِه لها بمُضِيٍّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، وأمَّا مَن قال: لا يَمْلِكُها حتى يَتَمَلَّكَها. لم يُضَمِّنْهُ إيّاها حتى يَتَمَلَّكَها، وحُكْمُها قبل تَمَلُّكِه إيَّاها حُكْمُها قبلَ مُضِىِّ حَوْلِ التَّعرِيفِ. ومن قال: لا تُمْلَكُ اللُّقَطَةُ بحالٍ. لم يُضَمِّنْهُ إيَّاها. وبهذا قال الحَسَنُ، والنَّخَعِىُّ، وأبو مِجْلَزٍ، والحارِثُ العُكْلِىُّ، ومالِكٌ، وأبو يوسفَ، قالوا: لا يَضْمَنُ، وإن ضاعَتْ بعدَ الحَوْلِ. وقد ذَكَرْنا فيما تقَدَّمَ دَلِيلَ دُخُولِها في مِلْكِه. وقال دَاوُدُ: إذا تَمَلَّكَ العَيْنَ وأَتْلَفَها، لم يَضْمَنْها. وحَكَى ابنُ أبي موسى، عن أحمدَ، أنَّه لَوَّحَ إلى مثلِ هذا القولِ؛ لِحَدِيثِ عِيَاضِ بن حِمَارٍ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "فَإِنْ جاءَ رَبُّها، وإلَّا فَهِىَ مَالُ اللَّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" (٢). فجَعَلَه مُبَاحًا. وقوله في حَدِيثِ أُبَيِّ بن كَعْبٍ: "فَإنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُها، وإلَّا فَهِىَ كَسَبِيلِ مالِكَ" (٣). وفي حَدِيثِ زَيْدٍ: "فَإنْ جَاءَ صاحِبُهَا، وإلَّا فَشَأنَكَ بِهَا" (٤). ورُوِى: "فَهِىَ لَكَ". ولم يَأْمُرْهُ بِرَدِّ


(١) في م: "العلماء".
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢٩٧.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٢٩٢.
(٤) تقدم تخريجه في صفحة ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>