للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظِّهارَ والطَّلاقَ، كان ظهارًا؛ لأنَّه بَدَأَ به، فيكونُ ذلك اختيارًا له، ويَلْزَمُه ما بَدَأَ به. ولنا، أنَّه أَتَى بلَفْظَةِ الحرامِ يَنْوِى بها الظِّهارَ, فكانت ظهارًا، كما لو انْفَردَ الظِّهارُ بِنِيَّتِه، ولا يكونُ طلاقًا؛ لأنَّه زاحَمَتْ نِيَّتُه نِيَّةَ الظِّهارِ، وتَعَذَّرَ الجَمْعُ (٢٦)، والظِّهارُ أَوْلَى بهذه اللَّفْظةِ؛ لأنَّ معناهما واحِدٌ، وهو التَّحْرِيمُ، فيجبُ أن يُغَلَّبَ ما هو الأَوْلَى، أمَّا الطَّلاقُ فإنَّ معناه الإِطْلاقُ، وهو حَلُّ قيدِ النِّكاحِ، وإنَّما التَّحْريمُ حُكْمٌ له فى بعضِ أحْوالِه، وقد يَنْفَكُّ عنه؛ فإنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُطَلَّقةٌ مُباحةٌ. وأمَّا التَّخْيِيرُ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ هذه اللَّفْظةَ قد ثَبَتَ حكمُها حين لَفَظَ بها؛ لكَوْنِه أهلًا والمحلِّ قابلًا، ولهذا لو حَكَمْنا بأنَّه طلاقٌ، لَكانتْ عِدَّتُها من حين أوْقَعَ الطَّلاقَ، وليس إليه (٢٧) رَفْعُ حُكْمٍ ثَبَتَ فى المحلِّ باخْتيارِه (٢٨)، وإبْدالُه بإرادتِه، والقولُ الآخَرُ مَبْنِىٌّ على أَنَّ له الاختيارَ. وهو فاسِدٌ على ما ذكرْنا. ثمَّ إنَّ الاعتبارَ بجميعِ لفظِه، لا بما بَدَأ به، ولذلك لو قال: طَلَّقْتُ هذه أو هذه. لم يَلْزَمْ طلاقُ الأُولَى.

الفصل الرابع: أنَّه إذا شَبَّه عُضْوًا من امرأتِه بظَهْرِ أُمِّه أو عُضْوٍ (٢٩) من أعضائِها، فهو مظاهرٌ، فلو قال: فرجُكِ، أو ظهرُكِ، أو رأسُكِ، أو جلدُكِ علىَّ كظهرِ أمِّى، أو بدنِها، أو رأسِها، أو يدِها. فهو مظاهرٌ. وبهذا قال مالِكٌ. وهو نَصُّ (٣٠) الشَّافِعِىِّ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه ليس بمُظاهِرٍ حتَّى يُشَبِّهَ جُمْلةَ امْرأتِه؛ لأنَّه لو حَلَفَ باللَّهِ لا يَمَسُّ عضوًا منها، لم يَسْرِ إلى غيرِه، فكذلك المُظاهَرَةُ، ولأنَّ هذا ليس بِمَنْصوصٍ عليه، ولا هو فى معنى المنْصُوصِ؛ لأنَّ تَشْبِيهَ جُمْلَتِها تشْبيهٌ لمَحِلِّ (٣١) الاسْتِمْتاعِ بما يَتَأكَّدُ تَحْرِيمُه، وفيه تحريمٌ لجُمْلتِها، فيكونُ آكَدَ. وقال أبو حَنِيفَةَ: إنْ شبَّهَها بما يَحْرُمُ


(٢٦) فى م: "الجميع".
(٢٧) فى ب: "له".
(٢٨) فى م: "واختياره".
(٢٩) فى النسخ: "عضوا".
(٣٠) فى أ: "قول".
(٣١) فى ب: "بمحل".

<<  <  ج: ص:  >  >>